بقلم: تيماء الجيوش
تأتي أهمية قوننة القضاء على العنف ضد المرأة في التشريعات المحلية لأسبابٍ عديدة أولها هو حماية المرأة من العنف و حماية للمجتمع منه و بذات الدرجة أيضاً . حيث تُفرض بموجب هذا القانون عقوبة مُشددّة على الأفعال المعاقب عليها المستمرة التي يرتكبها الرجل ضد المرأة و الذي قد يرتبط بعلاقة زوجية أو قربى معها أو غريب عنها، و بالتالي فإن إرتكابه لأفعالٍ جرمية معينة مثل الاعتداء أو التهديد أو التحرش أو الاضطهاد سيجعله محلاً للمسائلة القضائية.
أهدر العنف ضد النساء كرامتهن و أبعدهن عن الإندماج و أدى بهن إلى تغريبةٍ في محيطهن الإنساني و المجتمعي. إن اعتماد هذا القانون الذي يُعنى بمعاقبة فعل يُرتكب بإستمرار و يؤدي إلى إيذاء أو موت يُعدُّ من قواعد العدالة الأساسية التي تقتضي قيام السلطة و المؤسسات التشريعية و القضائية بأخذ دورها ومنع تكرار إرتكاب فعلٍ جرمي على اختلاف توصيفه و درجاته. يحافظ على حياة النساء و الأطفال و يُبقي مجتمعاتٍ بأكملها آمنة بعيدةً عن العنف. أظهرت الإحصائيات في العديد من الدول و التي تبّنت قانون القضاء على العنف ضد المرأة أرقاماً تُشير إلى إزدياد نسبة النساء من الضحايا اللواتي يتقدمن بشكواهن إلى الجهات المختصة ، وبالتالي إلى حصولهن على الرعاية الصحية المناسبة دون تأخير و الخدمات القانونية و بالنتيجة إلى انخفاضٍ ملحوظ في نسبة الجرائم و العنف ضد المرأة . لم تغفل تشريعات هذه الدول عن تحديد الأفعال الجرمية بدقة و شرحها إلى جانب عقوبتها مما جعلها إستراتيجية ناجحة تتسق تماماً مع المعاهدات الدولية و القانون الدولي و التزاماته. يترافق الحديث عن العنف ضد المرأة بالتأكيد على عدم خلو أي مجتمعٍ و بالمطلق منه.
انتهى العام ٢٠٢١ في مقاطعة كيبيك في كندا برقمٍ يرتفع فيه عدد النساء من ضحايا العنف حيث وصل إلى ١٨ إمرأة قُتِلتْ على يد الشريك أو الزوج. لا يختلف الأمر كثيراً عن نساء الشرق اللواتي قُتلن على أيدي أزواجهن أو أقاربهن في سوريا، تونس، الأردن، مصر، أو أي بلدٍ عربي آخر. ولعل الأقرب تاريخاً هو بسنت في مصر و آيات الرفاعي و تعنيفها و مقتلها في دمشق على يد زوجها. تعاطف الرأي العام مع النساء المُعنفات وما لحق بهن من القهر كان واضحاً و مباشراً.
لكن المسألة هنا هي ليست في الانفعال او ردة الأفراد النابذة و المستهجنة للعنف بل المسألة هي في صياغة استراتيجية تتماشى مع المعاهدات الدولية و الكرامة الإنسانية أولاً و هذا ما أثبتته القوانين المحلية في القضاء على العنف ضد المرأة في عددٍ من الدول. و التي باتت أمراً لا بد للتشريع العربي من تبنيه و دون تأخير. يعلم خبراء القانون أن العديد من القوانين الجزائية و قوانين العقوبات العربية تنص موادها على الحبس ما لا يقل وسطياً عن سبعة أعوام في حالات الضرب و الإيذاء المفضي إلى الموت او لعاهات دائمة بشكلٍ عام، لكن هذا غير كاف ٍ بعد أن وصلت نسبة الاعتداء على النساء في البلدان العربية و انتهاك كرامتهم إلى مستوى غير مسبوق، وصل إلى الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية و زواج الصغيرات الذي يتصاعد و الاتجار بالأشخاص و استعباد النساء الذي مارسته داعش بوقاحة و إجرام قلَّ نظيرهما ناهيك عن العنف المحلي بأنواعه و صوره المتعددة النفسي، الجسدي، القانوني، الاقتصادي …الخ. ربما مثال تونس هو الأول من نوعه الذي اختار المشرع فيه أن يُصدر و منذ سنين قانون العنف ضد المرأة في قانونها الأساسي عدد٥٨ المؤرخ في العام ٢٠١٧.
في عودةٍ إلى تجارب الدول الأخرى في هذا الصدد نجدها قد أثبتت أن نجاح هذه القوانين تأتي متلازمةً مع حزمةٍ من البرامج تنقلها من حيز النظرية إلى التطبيق العملي و منها و ليس على سبيل الحصر تحديث النظم القضائية و التدريب في المحاكم، خدمات و مساعدة للضحايا لا سيما في المناطق الريفية، أصحاب الإعاقة و المُسنات، إنشاء المزيد من المراكز و الملاجئ و توفير الموارد المالية و الاقتصادية. الناجيات من العنف يحتجنْ بالتأكيد إلى معلومات تضمن سلامتهم الجسدية والنفسية التي تفترض توفر المزيد من الملاجئ .فغالباً ما تهرب المرأة من يد مُعنفها و يقع على عاتقها أن تُبقي هويتها و مكان إقامتها الجديد بعيداً عن الأعين بحيث لا يمكن تتبعها أو اقتفاء أثرها بهدف حماية أمنها و أطفالها و حياتها ، و لا تعود إلى الغرق في دائرة العنف من جديد. من ناحية اخرى يُمكنّها بقاء معلوماتها محمية من الحصول وبمرونةٍ أكثر على المساعدات الصحية و القانونية …الخ كل ما تقدم وضعه المشرع نصب عينه حين اتجه إلى سن قوانين مناهضة العنف . حماية الخصوصية لم تكن عنواناً إعلامياً متداولاً فقط بل منهجاً و خطة عمل تدرجت من الحماية إلى الإجراءات إلى السياسة التشريعية إلى الأجهزة التنفيذية و على رأسها جهاز الشرطة إلى المُحفزات و تطوير نظم المعلومات بأكملها بهدف توفير البيئة الموائمة للضحايا.
الأكثر أهمية هو محيط العمل في حال كانت الضحية عاملة أو موظفة حينها يتوجب على رب العمل قبول الإشعار المُقدم بحدوث العنف الأسري مُرفقاً بورقة رسمية مما يُفسح المجال لقبول إجازة من العمل و شأنها بهذا شأن الإجازة المرضية. و رفض رب العمل لمنح مثل هذه الإجازة أو قيامه بفصل الموظفة لتغيبها عن العمل يخول الضحية لأن تتقدم بدعوى تعويض مادي للقضاء المدني. وجود هذا القانون على الساحة التشريعية يقتضي دعماً مجتمعياً يضم الرجال و النساء على حدٍ سواء و هو الضامن لأمن و سلامة النساء. الاكتفاء بالموقف الأخلاقي من حيث التمني و الشجب و الاستنكار لن يوقف الجريمة بحق المرأة و لن ينهي العنف ، بل القانون و نصوصه الواضحة المباشرة و التي لا تحتمل التأويل أو التفسير هو من يملأ الفراغ و يسدُّ النقص و يحفظ كرامة الأفراد جميعاً . لضحايا العنف، إلى بسنت وإلى آيات ، لكم جميعاً الرحمة الواسعة.