بقلم: د. حسين عبد البصير
الأهرام لم تكن مخازن للغلال
كان من بين الأسماء المهمة التي كانت في مستشفى جامعة جونز هوبكنز العريقة، كان اسم الدكتور بنجامين سولومون كارسون أو الدكتور بن كارسون في المقدمة بين العلماء المعروفين على مستوى العالم الذين أحرزوا إنجازًا علميا كبيرا في هذا الصرح الطبي العالمي الأشهر.
وهو دون شك من أشهر جراحي المخ والأعصاب في العالم كله وله إسهاماته الطبية والجراحية العديدة في مجال الجلطات الدماغية وغيرها المسجلة باسمه التي جلبت له التقدير في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.
ويعد الدكتور بن كارسون من العلماء الكبار القلائل الأمريكيين الذين ينحدرون من أصول إفريقية في تخصصه الطبي الدقيق. وقد حصل على الميدالية الرئاسية للحرية من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
وُلد الدكتور بن كارسون في مدينة ديترويت في ولاية ميتشيجان في عام1951 ودرس في جامعة ييل المعروفة ثم في كلية الطب بجامعة ميتشيجان. ومنذ عام 1984، عمل بمستشفى جامعة جونز هوبكنز الشهيرة في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند التي تعد من أكبر معاقل الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية. وقد تقاعد عن العمل في الطب في عام 2013.
وسياسيًا، انضم الدكتور بن كارسون للحزب الديمقراطي قبل عام 1981، ثم إلى الحزب الجمهوري في الفترة من 1981 إلى 1999، ثم تركه وصار سياسيًا مستقلاً في الفترة من 1999 إلى 2014، ثم عاد وانضم إلى الحزب الجمهوري من عام 2014، وقد رشح نفسه حاليًا لخوض الانتخابات الرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري في عام 2106.
ومن الناحية الدينية، فهو مسيحي بروستاتنى ومحافظ بشكل كبير. وقد ألف عددًا من الكتب عن عمله بالطب وآرائه السياسية وكان موضوعًا لمسلسل تليفزيوني في عام 2009.
ولعل من بين أهم كتبه كتابه الأشهر عن سيرته الذاتية الذي أطلق عليه «أيد معطاة: قصة بن كارسون» بالاشتراك مع الكاتبة سيسل مرفى، وقد حقق هذا الكتاب نجاحًا كبيرًا وانتشارًا واسعًا على مستوى العالم كله، مما دفع المنتجين إلى تحويله إلى عمل تليفزيوني بنفس الاسم.
ومن مسيرته السياسية، يبدو تخبطه وتردده السياسي بوضوح كبير. ومن آرائه في كثير من الأمور السياسية وغيرها، يظهر مدى عدم نضجه السياسي وغرابة الكثير من أفكاره ومحافظته.
وقد التقيت بالدكتور بن كارسون ذات يوم عندما كان يعمل في مستشفى جامعة جونز هوبكنز التي كنت أدرس بها وحصلت منها على درجة الدكتوراه في الآثار المصرية القديمة والشرق الأدنى القديم. وقد ترك لديّ انطباعًا طيبًا بأنه شخص لطيف للغاية وحلو المعشر؛ إذ كان بشوشًا ومبتسمًا طوال اللقاء القصير الذى جمعني به.
والجدير بالذكر أنه في حديث حفل التخرج الذى ألقاه الدكتور بن كارسون في جامعة أندروز عام 1998 قال إن أهرام الجيزة لم تبنِ كي تكون مقابر، بل كانت صوامع الغلال التي بناها نبي الله يوسف بن يعقوب المذكورة في التوراة كي يعد لسنوات المجاعة التي ضربت مصر كما جاء في سفر التكوين في العهد القديم.
وأضاف الدكتور بن كارسون أن عددًا من العلماء قالوا إن مخلوقات فضائية قديمة قامت ببناء الأهرام، غير أنه يعتقد أنه لا حاجة لأية كائنات فضائية للقيام بذلك ما دام الله معك ويؤيدك بشكل كبير. ومن المعروف أن هذا الاعتقاد بأن سيدنا يوسف هو الذي بنى الأهرام كي تستخدم كمخازن للغلال كان شائعًا في أوروبا في العصور الوسطى قبل أن يذيعه الدكتور بن كارسون على أسماعنا في نهايات القرن العشرين الميلادي.
وفى عام 2015، عاد الدكتور بن كارسون وأكد هذا الاعتقاد الخاص به، وهو أن أهرام الجيزة بُنيت كي تكون صوامع غلال في عهد نبي الله يوسف عليه السلام. وعلى الرغم من معارضة علماء الآثار المصرية لهذا الاعتقاد الخاطئ، ما زال الدكتور بن كارسون يصر على الإيمان بهذه الفكرة الغريبة والحقيقة أنه من الصعب الاعتقاد بما يؤمن به الدكتور بن كارسون؛ نظرًا لأن الأهرام لا تحتوى على أي فتحات كي تُستخدم كصوامع لتخزين الغلال، وأيضًا لأن مخازن الغلال المصرية القديمة قد تمت دراستها باستفاضة كبيرة، فضلاً عن وجود أدلة عديدة تؤكد على ثبوت دفن الملوك المصريين القدماء أو بعض زوجاتهم من الملكات داخل الأهرام المصرية، علاوة على أن المصريين القدماء قد تركوا ما يعرف بمتون الأهرام الدينية والجنائزية الخاصة بتأمين رحلة الملك المتوفى في العالم الآخر أو بعض الملكات من زوجاتهم.
وقد كتبت متون الأهرام بداية من نهاية الأسرة الخامسة وتحديدا داخل هرم الملك ونيس أو أوناس في منطقة آثار سقارة. والجدير بالذكر أن التوراة قد أفادت بأن مخازن غلال سيدنا يوسف حفظت في المدن ولم تكن موجودة في الصحراء مثل أهرام الجيزة الموجودة في هضبة الجيزة الشهيرة.
والحقيقة العلمية والدراسات الأثرية المتواصلة منذ سنوات عديدة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أهرام الجيزة والأهرام المصرية القديمة عموما بُنيت كي تكون مقابر لأجدادنا الملوك المصريين القدماء ولبعض من زوجاتهم الملكات في عصر الدولتين القديمة (عصر بناة الأهرام) والدولة الوسطى.
وعلى الرغم من كل تلك الحقائق العلمية الثابتة، لا يزال الدكتور بن كارسون المرشح السابق للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري يعتقد هذا الاعتقاد الخاطئ بأن أهرام الجيزة بُنيت كي تكون مخازن غلال.