بقلم: هيثم السباعي
تحدثنا في العدد الماضي عن علاقته بأغنياء العالم من أصدقائه ونفوذه الكبير في أفريقيا الذي وصل إليه عن طريق رؤسائها ورؤساء وزاراتها.
نكمل اليوم بإختصار ماجنت مؤسسته الدولية الثانية ‘توني بلير للموالاة أو للإيمان’ من أموال، والتي تهدف إلى المصالحة بين الأديان. ننتقل بعدها للكلام عن عمله كمستشار لبعض الحكومات، وخاصة علاقته بديكتاتور ليبيا الراحل، معمر القذافي.
ساعدته مجموعة صغيرة من أصدقائه فائقي الثراء على تأسيس جمعياته الخيرية وإبقائها موجودة. من أهم ممولي مؤسسة توني بلير للإيمان الأوكراني ‘ڤيكتور پينشوك’ جامع التحف الفنيه ومالك أجمل المنازل في لندن وتقدر ثروته بأربعة مليارات دولار، أعطى المؤسسة المذكوره ٤٨٠ ألف دولار.
ممول آخر يدعى ‘حاييم سابان’ صاحب ثروة تقدر بحوالي ٣,٥ مليون دولار أعطى مؤسسة بلير عن طريق مؤسسة عائلة سابان، على الأقل ٦٢٢٥٠٠ دولاراً أميريكياً. أما زوجته “سيريل سابان” فقد منحت جمعية خيرية نسائية تديرها شيري زوجة توني بلير مبلغاً يقدر بحوالي مليون دولار.
‘أوليغ ديريپاسكا’ صديق روسي حميم لأحد زملاء بلير في الوزارة هو اللورد ماندلسون مول جزئياً جمعيه خيرية صغيرة يديرها السيد بلير والتي تجمع حكومات حول تغير المناخ تدعى “كسر الجمود المناخي”. وصل مبلغ التمويل إلى ٤٥٠٠٠٠ دولاراً أميريكياً، يذكر أن ثروة ديريپاسكا تساوي ٦ مليارات دولاراً أميريكياً.
كتب أحد محرري صحيفة “الغارديان” اللندنية مقالاً في شباط (فبراير) من العام الحالي بين فيه أن السيد بلير سيساعد رئيس وزراء صربيا، البلد الذي ساهمت فيه حكومة بلير بقصفه جواً مع حلف الناتو عام ١٩٩٩ إبان حرب كوسوڤو. إنتقد، هذا التعاون زعيم المعارضة في البلاد. يذكر أن دولة الإمارات العربيه المتحدة، هي التي دفعت رسوم الإستشارات لمكتب بلير الخاص بحسب وزير صربي ومصدر آخر من مكتب رئيس الوزراء الصربي.
في منتصف آذار من العام الحالي قرر إنهاء مهمته كموفد خاص، مثير للجدل، للجنة الرباعية من أجل السلام في الشرق الأوسط. هذا القرار أسعد الفلسطينيين وأقلق الإسرائيليين، لسببين. الأول أنه لم يكن حيادياً في مهمته، بل كان دائم التحيّز لإسرائيل. والثاني وهو الأهم أنه لم يقدم أي شيءٍ يذكر يخدم القضية، طيلة مهمته التي إمتدت من منتصف عام ٢٠٠٧ حتى إستقالته في آذار (مارس) من العام الحالي. نقلت صحيفة ‘الفاينانشال تايمز’ نبأً تقول فيه أن السيد بلير قابل وزير خارجية الولايات المتحدة ‘چون كيري’ لمناقشة تغيير مهمته، في الوقت الذي لم يفعل شيئاً لافتاً في مهمته إضافة إلى أنه لايتمتع بأي مصداقية في هذا الجزء من العالم وأن مهمته لاتعدو عن كونها “نكته”.
عُهد للسيد بلير في تموز (يوليو) عام ٢٠١٤ إسداء النصح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتطوير الإقتصاد المصري. في آذار (مارس) عام ٢٠١٥ قال في معرض كلمته في المؤتمر الإقتصادي الذي عقد في منتجع شرم الشيخ: “نعم! الديموقراطية مهمة، ولكن الديموقراطية بحد ذاتها ليست كافية. أنتم تحتاجون إلى ‘الفعالية’. أنتم بحاجة لحكومة فعالة تتخذ قرارات فاعلة”. من غير المعروف من قام بدفع أتعابه.
أما بالنسبة لعلاقته بليبيا ورئيسها معمر القذافي فإن لجنة الشؤون الخارجيه في مجلس العموم البريطاني ستحقق في بواكير الشهر المقبل مع رئيس الوزراء الأسبق “توني بلير”. هدف اللجنة المذكورة تقييم سياسة بريطانيا الخارجيه تجاه ليبيا منذ زيارة السيد بلير الشهيره لها في عام ٢٠٠٤ وعقد مع القذافي مايعرف “بصفقة في الصحراء”. سمحت هذه الصفقة ببقاء القذافي في السلطة وتطوير علاقاته الديبلوماسية مع الغرب مقابل تخليه عن أسلحة الدمار الشامل. إعتبرت الصفقة، في ليبيا والتي وقعت بعد مرور عام كامل على غزو العراق بأنها نصر سياسي كبير، ولكنها فجرت في الوقت نفسه إنتقادات شديدة جداً في كل من الولايات المتحدة الأميريكية والمملكة المتحدة بسبب دور الحكومه الليبية بتفجير رحلة الخطوط الجويه الأميريكية “پان-آم” رقم ١٠٣ فوق لوكيربي في إسكوتلندا، عام ١٩٨٨. من المعروف أن ذلك التفجير أودى بحياة ٢٧٠ شخصاً.
ظهرت إلى السطح، بعد سقوط القذافي وقتله عام ٢٠١١ دلائل تشير إلى تورط بريطانيا بتسليم إرهابيين مشتبه بهم إلى ليبيا للإستجواب،مايحمل السيد بلير مسؤولية إضافيه. يضاف إلى ذلك أن اللجنة التي ستحقق معه الشهر القادم بأن سياسة بريطانيا تجاه ليبيا تم إقرارها مسبقاً من قبل السيد بلير عام ٢٠١١ ورثتها السياسة البريطانية منه. لأنه هو من أعاد ليبيا إلى الحظيرة الدوليه وهو من يؤكد بأنه وراء نزع أسلحة الدمار الشامل من القذافي، مما سمح للأخير “بتخليص نفسه بالمال من نظام الحصار الإقتصادي”. وبذلك يكون بلير قد فرضه على ليبيا وعلى المجتمع الدولي رغم معرفته بأنه “داعم أساسي للإرهابيين”. كما ظهرت تفاصيل مدهشة عن تورط السيد بلير بالشأن الليبي، نشرتها وزارة الخارجية الأميريكية من خلال الرسائل الإلكترونية (الإيميل) المرسله منه إلى وزيرة الخارجية آنذاك ‘هيلاري كلينتون’ عندما كان موفد السلام في الشرق الأوسط. طلب فيها عدة مرات التوسط لإنهاء الحرب الأهليه وإنقاذ القذافي ونظامه. كما طلب من السيدة كلينتون أن تتوقف الولايات المتحدة عن “إذلال وإهانة” الدكتاتور. يعتقد أن السيد بلير قام بزيارة ليبيا ست مرات على الأقل بعد أن ترك منصبة كرئيس لوزراء بريطانيا عام ٢٠٠٧. قام خلال هذه الزيارات والزيارات التي سبقتها عندما كان لايزال يشغل منصب رئيس الوزراء بترتيب عدة صفقات هامة. كانت الصفقة الأولى تسوية إسقاط طائرة “پان-آم” ودفع تعويضات لأهالي الضحايا بمعدل ٩ ملايين دولار عن كل ضحية. وربما دفع تعويضات لحكومة إسكوتلندا المحلية بوساطة بلير، طبعاً أفرجت بموجبها عن عبد الباسط المقراحي المتهم الرئيسي بإسقاط الطائرة المذكورة. الصفقة الثانية كانت عقد أو عقود لاأحد يدري لصالح “شركة الپترول البريطانية العملاقة پي بي-آموكو” للتنقيب عن النفط وإنتاجه. بالتأكيد حصل على مكافأة أوتعويض مجزي من الشركة المذكوره مقابل هذه الخدمة الكبيرة. كما كان يتقاضى تعويضات معينه من الحكومة الليبية وتحديداً من الدكتاتور شخصياً لقاء هذه الخدمات. من الجدير بالذكر أنه عندما بدأ مايسمى بالربيع العربي في ليبيا إتصل السيد بلير بالأخ معمر القذافي ونصحه بالبحث عن ملاذ آمن ومغادرة ليبيا ولكن القذافي رفض النصيحة ليلقى مصرعة المعروف للجميع.
هذاغيض من فيض، مجلد كامل قد لايكفي لتغطية نشاطاته اللاأخلاقية والمشبوهه التي جمع منها حتى الآن مائة مليون دولار حسب تقديرات الخبراء.