بقلم: كلودين كرمة
حال الدنيا عجيب ، عالم تختلط فيه الدموع مع الإبتسامات ، الصرخات مع الضحكات ؛ و الأعجب إننا نرى قلوب حزينة مع عيون فرحة !أو قلوب مطمئنة مع عيون حائرة !! فقد إعتاد الناس الخلط بين المشاعر ، فكل ساعة لها طابعها ، أحيانا تغمرنا الفرحة فنرى الكون كله بألوان زاهية وأحيانا يسود الحزن نرى لون أحادى يمنع وميض البهجة عن نفوسنا وسحر الجمال عن أنظارنا.
لقد سئمنا من الأيام وعكرت الأحداث صفو أذهاننا حتى إننا مللنا من الحياة نفسها …لم يعد واضحا أمامنا الهدف ، والطرق أصبحت متداخلة وملتوية وكإنها متاهة ؛ والكل يشكى سؤ الحظ ويندب بتوجع وانين الأيام التى كانت تحمل الكثير من البهجة والأمل ؛ لقد كللنا من التظاهر بالقوة وقدرتنا على تدبير الأمور التعيسة والمتعاقبة والتى هى فى غاية التعقيد .إن أمام كل باب تحدى ، تحدى لقدرة الإنسان النفسية و إمكانياته على التغلب لما سوف يلاقيه من صعوبات وما يواجهه من عوائق تمنعه من المشاركة في معارك الحياة المستمرة .
إن ما خلفه لنا هذا العصر ‘ الحديث ‘ من توتر وقلق نتيجة الصراعات والحروب الداخلية ، وإخضاع التكنولوجيا للسيطرة وللترهيب ، قد أثر بشكل كبير على السياسات ، فلم يعد هناك ميثاق يحترم أو سيادة للقانون على المستوى الدولى أو المستوى المحلى..فكل يسعى إلى تحقيق غايته و ‘ الغاية تبرر الوسيلة’ ؛ ونتيجة لهذا المبدأ الغاشم نرى الدمار والخراب يسودان والهيأت تنظر وتبحث وتفحص وتمضى الأيام والشهور و نرى أن الضعفاء والمساكين والفقراء وحدهم يدفعون ضريبة المصالح العامة، وتكتم أنفسهم تحت وطأة الظلم والفساد ويختنقون بايادى الجبابرة الذين يبيحون كل ما لهم ويستغلونهم وكأنهم مجرد درجات لسلم يدوسونها بالأقدام حتى يصلون أعلى المناصب ويستحوذون على ينابيع الخير لصالحهم فيقفون على المنصات بلباسهم الفاخر وابتساماتهم الباردة و يتبادلون السلامات بأياد ملوثة بدماء الأبرياء ويوقعون إتفاقيات ومعاهدات وكل واحد منهم يحمل سلاحاً تحسبا لئلا يفتك به سهوة فى ظل هذه الأجواء التى وإن كانت فى ظاهرها تبدو على مستوى من الصدق والتفاهم والرقى انما فى باطنها تحمل الكثير من الأسرار والغموض .
فنحن ندور فى متاهة واسعة ومترامية الأطراف ، و عند كل منعطف نظن إننا قد بلغنا المقصد والهدف و إمتلكنا الحقيقة ، ولكن للأسف ينتهى بنا المطاف إلى الكثير من التساؤلات حول الكثير من القضايا التى مازالت قائمة منذ عصور مضت ولازالت بدون حل جذرى : الاستعمار والأحتلال ؛ التطرف و الإرهاب ؛ التعصب والعنصرية ؛ الإحتيال والقرصنة ؛ والكثير من الإنحرافات والسرقات والمؤامرات والخيانة العظمى .
ومن المتعارف عليه أن من يدفع ثمن كل هذا العدوان وهذه الهرطقات هم عامة الشعب و كل من لا يستطيع أن يجابه كل هذه التحديات أو يواجه كل هذه الصعوبات أو أن يتخطى هذا الكم الهائل من العقابات ، ناهيك عن مشاكل الحياة اليومية فى العمل و والمصالح الحكومية وإنهاء الإجراءات وحتى أثناء السير فى الشارع ذهابا وإيابا واضف إلى ذلك المشاكل الصحية والضيقات المادية والأحزان المتتالية إلى آخره..
والعجب أن هذا الشعب مطالب بتحقيق أهداف الأمة ودعم الإستقرار والرضوخ للقواعد والإستسلام لما هو سائد والإمتثال للقوانين -والتى فى أحيان كثيرة تعجزعن تحقيق العدل والمساواة – وطاعة أولى الأمر والإمتثال للعادات والتقاليد و السعى لإنجاز الأعمال و نيل المنى .
هذا بحانب تثبيت قواعد الإستقرار فى الحياة العائلية وتربية الأولاد أدبيا ونفسيا بإسلوب راق ومتخصر وفى نفس الوقت تتوافق مع علامات العصر والتطور ؛ وأيضا الحفاظ على الثبات النفسى والإنفعالى والتغاضى عن كل ما يتعرض له من رود أفعال غير لائقة أو ألفاظ نابية أو مواقف مهينة .!!!
فهل هذا جائز وطبيعى أن يكون الإنسان تحت كل هذه الضغوط ويحمل هذا النير الثقيل ويكون فى حالة مزاجية معتدلة أو فى حالة نفسية وعقلية سليمة ؟! مواطن مكبل بأغلال الغلاء والأوبئة يعيش ليطالب بحقوقه المسلوبة فى زحام الأمور وفى خضم الأحداث ؛ ظهور محنية ورُكب مخلخلة وأقدام متقلقلة وعيون حائرة ، دامعة لا تذوق طعم الراحة أو النوم ودائما فى حالة من اليقظة والتأهب لإستدرك الخطر وتفاديه ؛ حياة لا نجد لها معنى من معانى الحياة ،لا إستقرار فيها ولا وقت للتأمل والتفكير فيتغرب الإنسان عن ذاته وعن أيامه هائما مسرعا لعله يستطيع أن يحصل على منيته ولكنه فى الحقيقة يتبع السراب الخادع الذى يزيد صاحبه عطشا وينهك قواه وأخيرا يبتلعه اليأس والمرض.
ولكن ورغم كل هذا البؤس نجد أن هناك فى الافق البعيد شعاع من النور والأمل ، قد يكون خبر ساراً أو صديقاً وفياً أو قريباً مخلصاً أو نجاحا أو شفاءاً أو كلمة تقدير ، فنمسك بطرفه ونتشبث به وكأنه طوق النجاة الذى سوف ينتشلنا من الإحباط واليأس ونبتسم ونتفاءل خيرا ونقوم من جديد ونشد من أزرنا وننوى العزم على الإستمرار فى الطريق لتحقيق الذات ولخلق جوا من السعادة يظلل علينا فننعم نحن وأحبائنا بالعيش معا ومساندة كل منا للٱخر فبدون الحب والإهتمام لا يمكن أن تتوفر لدينا القدرة على مواصلة هذا الطريق الشاق..
و من أجمل ما قيل عن المساندة انك “ عندما تساعد إنسانا على صعود الجبل فإنك تقترب معه إلى القمة “.