بقلم: كنده الجيوش
كانت من آواخر امنيات والدتي — رحمها الله قبل ان تتوفى بعدة اشهر عام ٢٠٠٨– ان نسمي حفيدة العائلة الجديدة حينها «آيا صوفيا». وكان لها ما احبت وكنا مغمورين بالسعادة لهذه الطفلة التي جاءت جميلة وكما يقولون في بلادنا «كأنها نقطة بالمصحف او الإنجيل» حماها الله.
واتفق الجميع على محبة الاسم والفخر به لانه جمع الأديان رغم اختلاف وجهات النظر السياسية والثقافية في البيت الواحد.
والدتي ووالدي اتفقا على تمجيد اسم «آيا صوفيا» في عائلتنا لانهما رأيا فيه مكان جمع الأديان ولم يفرقها… غير ما يحدث اليوم. . والدتي ذات الإرث العلماني في السياسة احبت جميع الأديان بعمق وصدق وكان لديها بعض الإرث الثقافي التركي ومحبة لتركيا وشعبها كبيرة لدرجة انها لا تنام الا على النشيد الوطني التركي في التلفاز — وكنا في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا نتابع المحطة التركية اكثر من السورية احيانا. وفي نفس الوقت كانت تمقت ماقام به بعض من الأتراك تجاه الاحبة الوسيمين المسيحيين والأرمن من مذابح وتحزن لذكراها ولكنها لا تجرم جميع الأتراك لذلك.
أما والدي فكان فكره سياسي علماني ويقدس الأديان جميعا… وهو من علمنا ان اصل إرثنا الثقافي العربي هو المسيحية لاننا جميعا كنّا مسيحيين قبل ان يصبح البعض مسلم.
وهو أيضا كان قوميا عربيا حتى النخاع وللعظم ويرفض بشدة شديدة كل المحاولات التركية لفرض الوصاية السياسية التركية على العرب من خلال استعمال الإرث الديني الإسلامي.
ولكن «آيا صوفيا» بالنسبة لهما فيها رمزية اكبر من المكاسب السياسية او النزعات الدينية المتعصبة.
«آيا صوفيا» كانت لامي وابي -رحمهما الله – تاريخ وارث عريق انساني في البداية للمسيحيين أولا والمسلمين لاحقا والبشرية جمعاء. «آيا صوفيا» الذي بني وعاش طويلا ككنيسة ثم اصبح جامع ثم متحف هو مكان روحي يسمو عاليا وصرح قريب للسماء.
وكان والدي، الذي يتذمر من النشيد الوطني التركي في المنزل، ينادي «آيا صوفيا» في المنزل بمحبة شديدة وكأنه يغنيها… وهي له كانت جامع وبيت لله ولكنها قبل ذلك هي كنيسة ورمز من رموز المسيحية المشرقية التي ولدت من عند العرب .. وهو الذي اختار لأولاده اسماء قومية عربية مثل الحجاج ومعاوية ولأحفاده الحيدرة والمهلب…
واليوم هناك الكثير من التحليلات والأدلة والآراء… لا اريد الدخول في النوايا السياسية او الاحقية في «آيا صوفيا» او جامع او كاتدرائية قرطبة او المقدسات في القدس الشريف…
«آيا صوفيا» بنيت ككنيسة أولا وعاشت ككنيسة ورمز مهم للمسيحية الشرقية ومن ثم لاحقا أصبحت وعاشت كمسجد .. ولاحقا عاشت كمتحف مهيب في منتهى الرقي والإجلال للخالق كي تتطلع عاليا اليه البشرية جمعاء. ..
ولا اريد الدخول في أي جدال.. لانني اعتقد ان الخالق سبحانه يريد ان ينظر إلينا على الارض ونحن عباده نحب بعضنا البعض ونسعى الى اَي عمل يقربنا له على طرقنا المتنوعة والمختلفة ويبعدنا عن العداوات والبغض… ولايريد لنا ان نسمح لأمر ما ان يثير النعرات الدينية لبعث الكراهية.
ولا اعتقد ان المعاملة المتبادلة بناء على معايير العصور الوسطى والفتوحات الدينية والقومية المتنوعة والمختلفة وممارساتها يجب ان تكون قدوتنا..
دعونا نتفق على المحبة لا الفرقة.
وقال مرة احد الصحفيين الغربيين ممن كان يحب الأديان ويحترمها جميعا وهو يستنكر التعصب بأشكاله بانه عانى من حالة اكتئاب شديدة في مدينة القدس… كيف هذا وهو من سعى ليكون في هذا المكان القدسي والجميل والرائع من العالم.؟!! قال بانه رأى عن قرب كيف استغل البعض الأديان السماوية التي تدعو للمحبة واستعمله وسيلة سياسية لنشر الفرقة بين الناس والآلام والكراهية!
تعالوا نسمو مع «آيا صوفيا» و»مسجد وكاتدرائية قرطبة» و»قرية معلولا السورية» التي يتحدث سكانها المسلمين والمسيحيين لغة السيد المسيح الآرامية الاولى والكثير من الأماكن الاخرى الجميلة الكنائس والمساجد والمتاحف الدينية حول العالم ونحافظ عليها رمزا للمحبة بدلا من الفرقة…