بقلم: تيماء الجيوش
القانون المدني السوري .. في المادة ٨٦ نص على أن العقارات الأميرية: هي تلك التي تكون رقبتها للدولة ويجوز أن يجري عليها حق التصرف.
حق الرقبة يعني حق الملك و هذا يعني أن الدولة هي المالكة للعقار الأميري، الخارج عن المخطط التنظيمي، لكن يحق للأفراد و بموجب حق التصرف في المادة ٨٦ آنفة الذكر أن يتم تسجيل العقار بأسمائهم و بموجب سندات ملكية تخولهم حق بيع العقار و استعماله و استغلاله و استثماره إلى ما هنالك من حقوق.
و العقار الأميري يبقى أميرياً ما دام خارج المخطط التنظيمي. يتغير النوع العقاري للعقار بدخوله منطقة التنظيم. حينها يُمكن للأفراد أن يتقدموا بدعوى تغيير النوع الشرعي للعقار من الأميري إلى الملك. وهناك خطوة قانونية تحفظ حق الورثة و بقاء حقوقهم كما هي في العقار الأميري باستخراج صحيفة العقار و بتاريخٍ سابقٍ من اللجوء للتقاضي أو دعوى تغيير النوع الشرعي للعقار أمام المحاكم و أن يكون مدوناً عليها أميري مما يحفظ حقوقهم عند تقاسم الإرث كلٌ بالتساوي المطلق. ما يجدر ذكره هنا أن العقار الملك المحكمة المختصة بحصر الإرث فيه هو المحكمة الشرعية و العقار الأميري يُعقد الاختصاص فيه بحصر الإرث المحاكم العادية (محكمة الصلح).
ذُكِرَ القانون السوري هنا نظراً إلى أن القوانين العربية بالجمل تعتمد الشريعة مصدراً أساسياً أو مصدراً من مصادر التشريع و على هذا تتقاطع النصوص و القوانين في مواضع كثيرة لا سيما في موضوع الإرث الشرعي و الإرث القانوني.
على أية حال وُجِدَ هذا النظام العقاري منذ القرن التاسع عشر ، و هو يعود بأصوله إلى الدولة العثمانية والقانون الذي أصدرته حينها ألا وهو قانون «انتقال الأموال الأميرية» .
الذي استند على المذهب الحنفي القائل بإن للمرأة ذمة مالية مستقلة و لها عملها و استحقاقها للإرث وفق قسمة لا تمييز فيها على اعتبار أن مالك الرقبة أو المالك الأصلي هو السلطان و هو من يُعيد توزيع الحصص و ليس الأفراد . كان هذا شائعاً نتيجة للظروف العامة في تلك الحقبة في ظل الحكم العثماني.
و هو حقيقة كان موجوداً في معظم الدول العربية و لا زال في بعض المناطق على الرغم من محدوديتها.
من الهام العودة إلى كل هذه المخارج القانونية و دراستها تاريخياً و تشريعياً و قانونياً بهدف دعم حصول المرأة على مزيدٍ من حقوقها .
و من حيث المبدأ نظرياً، قانونياً وجود نظام العقارات الأميرية منح المرأة شيئاً من هذه حقوقها ، كما أنه من الأسس التي لا يزال يعمل عليها بعض المُشّرعين و الباحثين في محاولات لتغيير جذري في نظام الإرث و حقوق المرأة، وهم يؤكدون القول أن التغيير ممكناً وهناك سابقة يمكن الإستناد إليها ألا وهي مثال العقارات الأميرية ، و بالتالي الخروج من دائرة غُبن المرأة و دفعها، بل أعتماد المساواة في توزيع الحصص الأرثية بين الذكور و الإناث. فالمرأة ترث و لا تنقص حصتها عن حصة الرجل.
ولعل هذا النقاش يأخذ زخماً إعلامياً، ثقافياً، إجتماعياً في كل مرة كان هناك محاولة لمعالجة الإرث أو الحقوق المالية للمرأة كما حدث في تونس منذ سنوات و مشروع مساواة الحصص الإرثية بين الرجل و المرأة و اليوم يعود مرة أخرى بشكلٍ مختلف بُعيد دعوى شيخ الأزهر لإحياء فتوى من التراث الشرعي في حق الكد و السعاية منذ عدة أسابيع . و بالرغم من أنه يختلف جوهرياً عن التجربة التونسية و عن العقارات الأميرية إلا أنه تم الخلط بينهما في العديد من مساحات النقاش بطريقة لا تستوي و البحث السليم مما يستدعي التوضيح القانوني بينهما.
على أية حال الإحصاءات في العالم العربي تُشير الى أن النساء اللواتي تعود لهن ملكية أراضٍ بأسمائهن هي ٤٪ فقط.
في القانون و التشريع حرمان المرأة من حقوقها المالية عموماً هو صعوبة حقيقية و ملموسة. نجد هذا الأمر حين تقف العلاقة الزوجية حائلاً أمام المرأة العاملة أو المرأة صاحبة المال من إثبات أحقيتها في الملكية المشتركة مع الزوج للعقارات أو المنقولات في حال الطلاق و الوفاة . و قد يُذكر المانع الأدبي كمادةٍ قانونية تساعد المرأة حين اللجوء للقضاء في التشريع السوري و المصري و الذي يُشابه الحال في معظم التشريعات العربية . غير أن هذا لم يكن كافياً بالمجمل و لم يحقق العدالة كما هي ناهيك عن عدم تناسبها مع المعايير الدولية لحقوق المرأة. فتوى حق الكد و السعاية و بإختصار هو محاولة لرأب الصدع بالقول أن مال المرأة (كأن تكون طبيبة، موظفة، مُدّرسة، عاملة…)و الذي حصلت عليه من عملها وأثناء زواجها و اختلط و امتزج مع مال زوجها يبقى من حقها و لهذا تستطيع أن تقوم بعزل مالها في حال الوفاة أو الطلاق قبل منحها بقية الحقوق من نفقة …الخ
وأنه من الظلم بمكان الاستيلاء على مالها من قبل الزوج في حال الطلاق أو زواجه بامرأة أخرى أو بقية الورثة و هي الأحق به. تأتي الدعوى إلى هذه الفتوى على ذكر ما يحق للنساء و هذا أمر مُلّح و كم لحق بالمرأة من الظلم جرّائه و كان الأدعى النص عليه منذ زمنٍ بعيد . احتاج الأمر العودة إلى جذور وفتاوى تراثٍ ليس بالقريب حتى يُمّكن المرأة من الحصول على حقها الطبيعي في زمننا الحاضر و في أزمنة تجاوزت فيه المجتمعات المدنية مراحل بعيدة كماً و نوعاً في السعي نحو العدالة الاجتماعية و المساواة و النقد الذاتي المستمر للمعايير الدولية بهدف الارتقاء بمستوى إنساني أثرى و أعمق.
و بالعودة إلى الإرث الشرعي فللمرأة في حال الوفاة ربع تركة زوجها المتوفى إن لم يكن لها ولد و الثمن من التركة إن كان لها ولد و هذه القاعدة الشرعية التي استند إليها معظم القوانين في البلدان العربية و الإسلامية . و الغالب مجتمعياً هو إنكار حق المرأة في الميراث بل و في الثروة المشتركة إن لم يكن لديها دليل. هو نسيج اجتماعي ثقافي وموروث تقليدي حازم ينطلق من تبعية المرأة و عدم استقلالها و احترام حقوقها. و هذا الأمر لا ينسحب فقط على الساحة الثقافية الاجتماعية بل و القانونية أيضاً. أتاح لي العمل في ملفات حقوق المرأة أن أجد بعضاً من النساء لا يقبلن بأخذ نصيبهم من التركة إما لعدم توفر الوعي لديهن ، أو خشية نبذهن من عوائلهم و محيطهم الأجتماعي، و لا أجافي الحقيقة بالقول أن البعض الأخر من النساء تذهب حقوقهن هدراً حين يقرر القاضي و بموجب سلطته منع توريث المرأة مناصفة كأن يحكم بأن شروط النص القانوني لا تنطبق على العقار الأميري المتنازع عليه و هذا حدث و في أكثر من قضية على الرغم من تحديد النوع العقاري و في وقتٍ سابق بسنوات للتقاضي.
النقاش و إثارة السؤال فيما يتعلق بحقوق المرأة لن يقف، حق المرأة في الإرث و حرمانها منه هو عنف . حرمان المرأة من حقها في ملكية شاركت بها و بعملها هو عنف قانوني.
ويبقى الهدف الأساسي هو الوصول إلى تغيير قانوني اجتماعي ثقافي نوعي و في هذا السعي تبدو هذه الخطوات من مثل الدعوى إلى فتوى الكد و السعاية و على الرغم من أنها مجرد دعوى لم تأخذ درجة الفتوى الرسمية و لم يتم النص عليها قانوناً بعد إلا أنها ثمينة حقا و لو مرحلياً تحاول إنهاء جزءٍ ولو يسير من العنف ضد المرأة .
يتابع العديد هذه الدعوى و هي بالتأكيد لن تقتصر على مصر كقطر بل ستكون نموذجاً لبقية الدول العربية و للمرأة العربية على وجه التحديد في عملها الدائم لنيل حقوقها كاملة و رأب الجسر مع كرامتها.
سيتمم هذه الخطوة تفاصيل أهمها هو تحديد دقيق لنسبة أو نصيب المرأة من الثروة أو التركة و من هو المُخوّل الذي يقوم بتقدير هذه النسب و درجة تمثيل المرأة في عملية التقدير و التطبيق هل هو مباشر و فوري أم يستدعي إجراءات معقدة تستهلك وقت و طاقة النساء؟
القانون الدولي و المعاهدات لا سيما CEDAW
و في موادها ٢،٥، ١٥، ١٦ أخذت حقوق المرأة منحى يليق بالمجتمعات الإنسانية لا سيما من حيث احترام حقوق الإنسان.
و هذا هو جوهر ما ذهبت إليه المواد بالنص على أن الدول الموقعة و الأطراف في الاتفاقية عليها اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في جميع الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية ، وعلى وجه الخصوص لضمان ، أساس المساواة بين الرجل والمرأة. نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها …
أسبوع سعيد لكم جميعاً.