قصة بقلم : نعمة الله رياض
في يوم عطلته الأسبوعية ، خرج رب الأسرة ليتسوق في صحبة زوجته وابنته الصغري، وفي نهاية تجوالهم ،عرجوا علي محل لطيور الزينه لمشاهدة الطيور المعروضه ..علي واجهة المحل تسمرت عين الإبنة علي كرتونه مفتوحة وبها عدد من كتاكيت الدواجن.. بشعرهم الأصفر الجميل الذي يغطيهم وبتحركهم الدائم وصياحهم المستمر ، خَلب منظرهم لب الطفلة فالحت علي والدها لشراء الكرتونه بكل ما فيها من كتاكيت !! لم يوافق والدها لعدم وجود مكان لتربيتهم، ولكن من أجل إرضاء ابنته إشتري قفصا» به زوج من الكتاكيت ووضعه في شرفة الشقة..
كبر الكتكوتان مع الأيام ، لكن في احد الأيام وجد كتكوتا» منهما ميتا» .. حزنت الطفله وأخيها علي فقدانه ، لكنهما استمرا في رعاية الكتكوت المتبقي الذي إختفي الشعر الأصفر منه ونبت له ريش قصير وأصبح فروجا» صغيرا» يجوب القفص جيئة وذهابا» وهو يقوقئ.. وكانا بمجرد عودتهما من المدرسة يسقطان حقيبتهما المليئة بالكراسات والكتب المدرسية والأقلام ويركضان نحو الشرفة ليداعبا الفروج القابع في القفص ..
كبر الفروج وأصبح ديكا جميلا له ريش ملون وعرف أحمر ، وبدأت الأسرة تسمع صياحه عند شروق الشمس.. كان يتحرك داخل القفص بصعوبه فإشتروا له قفصا» أكبر .. في زمن قصير تضخم حجمه وعلا صياحه وأصبح قويا» ومسموعا فجر كل يوم لكل شقق العمارة والعمارات المجاورة ..هل كان فخورا» بصوته ؟ أم كان ينادي علي ثمة دجاجات في الجوار!! هذا جعل الإبن الأكبر يطلق عليه إسم : ديــك الــــبــراري !!! لكن ذلك الصياح كان يسبب إحراجا» وتوترا» لرب الأسره لتسببه في إزعاج السكان النائمين..
ذات ليلة ، بينما كان رب الأسرة راقدا» بجانب زوجته ، أيقظها بلكزة وقال لها: إن هذا الديك سيسبب لنا مشاكل مع الجيران ويقلق نومهم فجر كل يوم، بخلاف تحول الشرفة إلي مصدر للقاذورات والذباب ، وقد آن الأوان لإرساله للجزار وإعداده للطهي، فقد أصبح سمينا» بما فيه الكفايه .. ليكن ذلك غدا» صباحا» ..
في صباح اليوم التالي ،أخرجوه من القفص وتركوه راقدا» بجانبه علي الأرض ، كان يبدو صامتا» وقد إنزوي في ركن الشرفة .. لم يكن ينظر لإحد، كأنه كان يحس بما هو مبيت له .. وكانت المفاجأه عندما شاهدوه يفتح جناحيه في تحليق قصير، ثم ينفخ صدره ، وبعد محاولتين أو ثلاثه وصل إلي حافة جدار الشرفة ، حاول الأب أن يقترب منه بحذر لإمساكه ، لكنه وسط ذهول الجميع طار مرة أخري وحط علي حافة شرفة البيت المجاور !! ، ومن هناك ، وفي تحليق مضطرب آخر ، بلغ سطح المبني، حيث وقف علي سوره بلا حراك ، كتمثال قائم في غير موضعه..
مصمما علي إقتفاء أثر الديك ، إستعان رب الأسرة بحارس العقار لتعقبه ، وصارت المطاردة أكثر زخما» ، وعلي الرغم من صغر حجم الطريد ، إلا أن الرغبة في الإنتصار إستحوذت علي الأب فطارد الديك عبر سطوح المباني التي يركض اليها الديك لاهثا» مضطربا» ، وكان يطير أحيانا بجزع ليعبر إلي بناية أخري .. وحانت لحظة طار فيها الديك إلي سطح مبني منخفض وببضع قفزات ماهرة طار نازلا» إلي الطريق العام !!
وسط ذهول الجميع ، كان علي المارة المساعدة في القبض علي ديك البراري ، ولإنه كان قليل الميل إلي الصراعات من أجل البقاء ، كانت المطاردة محسومة بحصار الديك والقبض عليه وسط صراخه وتطاير بعضا» من ريشه، وسلم إلي رب الأسرة الذي حمله ظافرا من جناحيه وعاد به للشرفة حيث وضعه مرة أخري في القفص ..
ما إن تمكنت الأسرة من استحواذ الحدث ، حتي صرخ الإبن الأكبر قائلا : إذا ذبح هذا الديك ،فلن آكل الدجاج في حياتي أبدا» !! وأنا أيضا ، أقسمت الإبنة الصغري ودموعها تنهمر ، وهزت الأم رأسها علامة الموافقه .. رضخ الأب إحتراما لرأي الأغلبية ، لكنه حدث نفسه قائلا : لقد جعل الله الإنسان متسلطا» علي سمك البحر وعلي طير السماء وعلي كل البهائم والدبابات التي تدب علي الأرض .. يأكل منها ما كان صالحا» للطعام . فلماذا الإعتراض علي ما حلله الله ؟ أهي العشرة ونمو رابطة التعاطف مع الديك ؟!!.
داخل القفص ، واصل الديك حياته مع الأسرة بين قوقأة ورفرفة جناحيه والصياح العالي مع شروق شمس كل يوم ، دون أن يدرك الحياة التي منحت له .. وتحول ، بدون أن يدري ، إلي فرد من أفراد الأسرة .. الجميع يعرفون ذلك .. بأستثنائه هو !!