بقلم: كنده الجيوش
كلمة «سينيه» تستخدم كثيرا في بلادنا العربية للتعبير عن قطعة ثياب أو مفروشات أو أية قطعة استهلاكية ذات قيمة مادية عالية – وليس قيمة تاريخية أو ثقافية.. أي مترجمة عن الفرنسية بمعنى بأنها قطعة أصلية وبتوقيع منتج فخم الاسم.. وغالبا في الأزياء يعني ما يشابه «ماركة» ..
وأحيانا من باب الفكاهة أو جذب الحديث يمكن أن يوصف شخص ما بأنه أو أنها «سينيه» كناية عن الغنى المادي وان هذا الشخص لا يرتدي إلا الثياب الغالية ولا يقتني إلا ما هو ذو ثمن باهظ… وممكن أيضا أن يوصف هذا الشخص بأنه أو أنها «سينيه» لأنه يهتم بالاتيكيت والى درجة كبيرة.
ولكن اليوم هناك مجموعة من الظواهر تتعلق باقتناء ما هو باهظ الثمن وهل هو حقا «أمر جيد ومقبول» أن يتم التركيز عليه وحده على انه مقياس للغنى أو للاحترام أو القيمة أو للشأن الاجتماعي… هل يمكن أن نقبل بهذا الأمر نحن أغنياء كنّا أم فقراء وهل نقبل بتعليمها للأجيال المقبلة..
وفي الفترة الماضية تضمنت أسماء من يقفون لهذه الظاهرة بالمرصاد ومن عواقبها السلبية أشخاص هم من أغنى أغنياء العالم ومن ذوي المكانة الاجتماعية والثقافية الكبيرة.. وتعددت الأسباب لذلك ومنها العلاقات الاجتماعية وسلامتها والبيئة والمنظور الفكري وغيرها من الأسباب.
ومع انتشار الصور الكثيرة والفيديوهات وغيرها التي توثق مظاهر الغنى الفاحش على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الممتلكات من الثياب السينيه من دور الأزياء العالمية هي الدليل الأول على مكانة شخص ما وقيمته وكم من الاحترام يجب أن يعطى بناء عليه… وهذا طبعا ليس في أوساط الفئات المثقفة أو الواعية التي تعرف الفرق بين الغني المادي وبين الغنى المعنوي والثقافي.
وللأسف يقع الكثير من الجيل الصاعد – مثل بعض لا يستهان بعدده من الجيل السابق ذو المنظور الضيق – في فخ أن قيمة ما ترتدي تدل على قيمتك. وبالنتيجة يصلون إلى ما لا يريده أي إنسان واع مثقف وهي أن «قيمته أو قيمتها تساوي ثمن الحذاء الذي ترتديه او المعطف أو السيارة التي تملكها . . أو الشخص الذي تحترمه لهذا الأمر يهبط بقيمتك أنت بالنتيجة إلى هذا الدرك لأنك قبلت بالمقياس.
وطبعا لا عيب في الغنى والراحة المادية والسعي إليها لأنها من أسباب الراحة والسعادة وهذا أمر لا نريد أن ننكره أو نرفضه. .. ونحن نحب أن نمتلك ونرتدي ثيابا ذات جودة عالية ولكنا لا أن تكون الهدف ولا أن نمتلك اَي شيئ لأنه غالي.. وبالتأكيد المشكلة الأكبر هي عند من يرى أن غنى المظهر يتساوى مع غنى العقل والروح ويربي أولاده على ذلك..
ولا أريد أن استخدم كلمة تصرفات «محدثي النعمة» لأنها فيها شيئ من العنصرية ضد من كان فقيرا وأصبح غنيا بسرعة.. والبعض من الفقراء ماديا هم أغنى الأغنياء فكريا وأخلاقيا … وكلنا نتفق على ذلك. ولكن هذا التعبير هو غالبا – وليس دوما- عند من كان فقيرا ثقافيا وإنسانيا بالإضافة إلى الفقر المادي وأصبح غنيا بسرعة ولم تساعده نسبة الوعي الثقافي لديه أن تلحق ثقافته بغناه بسرعة وتصبح أيضا ثقافة عالية ووعي مرتبط بأخلاق عالية… فينتج الكثير من التصرفات السلبية الهجينة.
ونرى اليوم في العالم نزعة كبيرة في العالم بين من يستخدم هذا المقياس للترفع.. ولكن نرى أكثر من ذلك واهم هو ابتعاد الكثيرين عن هذه الفكرة ومحاولة تفنيدها بغير طريقة.. حيث يمكن التنعم بما هو ثمين ولكنه ليس بمقياس.
ونرى أن بعض اثري أثرياء العالم وحتى الكثير من الأسر المالكة عبر أوروبا تبتعد عن مظاهر الثراء الفاحش وتصر على التسوق في سلسلة محلات للثياب رخيصة الثمن وترتديها في مناسبات رسمية مهمة. وكذلك تعيد ارتداء الثياب الرسمية وثياب المناسبات في أكثر من فعالية وتورث ثيابها لأبنائها وبناتها ويرتدونها ومنهم الأسرة المالكة البريطانية وإمارة موناكو والملكة الإسبانية وغيرهم الكثير… وتتنوع الأسباب والرسائل الموجهة من خلال ذلك.
ويصر كذلك بعض من أكثر رجال العالم ثراء على عدم تغيير منزله البسيط مثلا أو يرتدي قميصا بسيطا أو ساعة بلاستيكية.. وبعض المشاهير يقومون بذات الأمر ومنهم انجلينا جولي التي أورثت بناتها ثيابها وارتدينها في مناسبات كبيرة وأسماء كثيرة لا تحضرني ويؤكدون على أن تلتقط وسائل الإعلام وتثبت هذه الظاهرة..
كل هذا واحد أهم أسبابه هو نوع من التقارب الاجتماعي ورفض التباعد بأشكاله.. ومحاولة لرفع الوعي بأهمية الثقافة الاجتماعية والاحترام والثقة بالنفس الإنسانية وقيمتها وبأنك اكبر من أن تحترم إنسان بسبب نوع ساعته وقيمتها وكذلك بان قيمتك أنت هي اكبر من «ثمن الحذاء» الذي ترتديه.