بقلم: سليم خليل
إلتقيت مؤخرا في منتريال رجلا مسنا من الجالية العربية في مناسبة فرح وتبادلنا الحديث عن ماضي وحاضر
الجالية والأنشطة الثقافية والصحافية وأعلن عن إعتزازه بغزارة الصحف العربية حاليا في كندا وتمنى لو كانت
الجالية العربية في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي بحجمها الحالي لتتحدَث صحفها عن شخصيات عربية
أحرزت نجاحات في المراكز الحكومية الكندية وفي الأعمال الحرة تماما كما تتحدث الآن صحفنا الغراء عن الناجحين
من الجالية أمثال محلات آدونيس وغيرها في الأعمال التجارية وآخرين في المراكز الحكومية والمجالات العلمية .
سألته أعطني بعض الأسماء وسأقوم بالمطالعات اللازمة لأتحدث عنهم قدر المستطاع للذكرى ؛ أعطاني بعض
الأسماء وأصرَ على إسم جورج فرح الذي برز في مديرية أمن وشرطة مونتريال وأعتبر من أعظم المحققين في فترة
خدمته ؛ كما وصفه صديقنا بأنه شهيد أمانته .
هاجر جورج فرح من دمشق- سوريا عام 1900 إلى مونتريال في عهد خلافة وسلطنة بني عثمان التي حكمت
البلاد العربية لعدة قرون وكان عمره ٢٤ عاما ؛ وترجم إسم عائلته إلى Lajoie مثل كثيرين في تلك الفترة؛ وأعتبر جورج من الشخصيات العربية المرموقة في مجتمع كيبيك مثل رينيه أنجليل مدير أعمال وزوج الفنانة الشهيرة سيلين ديون وأسرة الراسي التي تملك سلسلة مخازن شهيرة والقاضي ألبيرت معلوف الذي ترأس لجان تحقيق في وزارة العدل في قضايا ذات أهمية كبرى !!!
ولد في دمشق ودرس اللغة الفرنسية في معهد فرنسي في القدس وفي عام 1902 تزوج من الكندية الفرنسية ماريان شارتري وإنخرط عام 1906 في شرطة مونتريال .لأنه كان يتقن بشكل جيد اللغات الفرنسية والإنكليزية والعربية ترفًع في الرتبة أسرع من زملائه وبرز في أعمال التحقيق ؛ فأوكلت إليه إدارة الأمن قضايا معقدة إستطاع حلها بجدارة وأطلق عليه إسم – معلم المحققين – وتحدثت عنه بإسهاب صحف مونتريال الفرنسية والإنكليزية .
قام بأعمال بطولية وأنقذ فتاة وقعت على سكة حديد أمام قاطرة كهربائية واستطاع انتشالها بثوان قبل سحقها ووصفته الصحف بالبطل الذي يخشاه المجرمون .
عام ١٩٢٢ أوكلت إليه قضية تحقيق بمقتل الشاب – راؤول ديلورم – التلميذ في معهد التجارة وهو من عائلة ميسورة . وًجدت جثة راؤول في أحد شوارع مونتريال .
بعد عدة أيام من التحقيق توجهت التهمة حسب إستنتاج جورج فرح إلى شقيق راؤول الكاهن – آديلارد ديلورم – الذي كان يتمتع بمحبة وتقدير رعيته ورؤسائه أثار الإتهام ضجة كبيرة وعنيفة ضد التحقيق إستنكارا لإتهام كاهن من الطائفة الكاثوليكية ذات النفوذ السياسي والديني في كيبيك !!! وهذا ما أثار إهتمام الصحافة بأخبار يومية عن القضية وعلى الصفحات الأولى وكان لهذه الضجة الإعلامية أن رفعت إسم جورج فرح إلى مصاف المشاهير وأصبح اسمه على لسان أهالي كيبيك.
في المحاكمة كانت مطالعة هيئة المحلفين – براء ة – الكاهن أديلارد ديلورم – على أثر هذا الإستنتاج نشر
جورج فرح كتابا عن تفاصيل التحقيق التي تؤكد تورط الكاهن في مقتل شقيقه . على أثر نشر الحقائق أعيدت محاكمة الكاهن ثلاث مرات خلال سنتين وكانت النتيجة براءة المتهم الكاهن أديلارد.
كثيرون إنتقدوا جورح فرح على كيفية إتهام كاهن من الطائفة الكاثوليكية كما أن كثيرين إعتبروا جورج فرح بطلا في إظهار الحقائق.
إستمر جورج فرح في عمله كمحقق لغاية عام ١٩٢٩عندما نشرت صحيفة باللغة الإنكليزية خبرا يفيد أن فرح تقدم بطلب إستقالة وراتب تقاعدي عن ٢٢ عاما في خدمة شرطة مونتريال بمبلغ 330 دولار .
بعد إستقالته ترشح لمنصب مستشار في البلدية ووضع في برنامجه الإنتخابي إعادة تنظيم أمن وشرطة مونتريال .
لم ينجح في الإنتخابات وبعد مرور عام حاول إستعادة وظيفته كمحقق وظن أنه استطاع إقناع رؤسائه بالعودة ؛ لكن إدارة الأمن أحالته إلى فحوص طبية وكانت النتيجة – غيرصالح للخدمة – ورفضت بلدية مونتريال دفع تقاعده .
عام ١٩٣٩ عمل كمحقق مستقل ملحق بمكتب المدعي العام في مونتريال . وبعد عام واحد توفي بعمر ٦٥ عاما
وتحدثت الصحف عن أعماله التي أعتبرت بطولية ووصفته بأنه ذهب ضحية إخلاصه وأمانته في مهنة التحقيق
ووصفته تلك الصحف بأنه النجم الأكثر إشراقا في شرطة مدينة مونتريال .