بقلم: عادل عطية
مرّ أحدهم بامرأة تبكي على أحد القبور.
فقال لها: ما هذا الميت منك؟
قالت: زوجي.
قال: وما كان عمله؟
قالت: كان يحفر القبور.
قال: أما علم أنه مَن حفر حفرة لأخيه وقع فيها!
قد يعتقد البعض انها ابتسامة عابرة في موقف مؤلم. ولكنها قبل كل شيء، حكمة بليغة، سطر التاريخ وقائع تؤيدها:
فقد شيّد “أوبريو” سجن الباستيل، وسُجن فيه بتهمة الإلحاد!
وشيّد “إدوارد” سجن بوسطن، وسُجن فيه؛ لأنه بالغ في تقدير أجره!
وابتكرالكاردينال “لابالو” الأقفاص الحديدية، التي لا يستطيع السجين أن يقف منتصب القامة أو يتمدد فيها، وكان هو أول من سُجن فيها، وقضى أحد عشر عاماً بداخلها!
ويبقى التساؤل:
كيف يحفر الإنسان حفرة المصائب والمتاعب لأخيه
الإنسان، ويسقط فيها؟!..
ألأنه يحفر وهو يُغمّض عينيه عن الدنيا، فلا يرى إلا نفسه!
ويغلق أذنيه عن صوت الضمير، فلا يسمع سوى وسوسات بعلزبول!
وكيف يتفنن الإنسان في صُنع القيود والأصفاد، واختراع آلات التعذيب والموت لأخيه الإنسان، ويذوق هو نفسه منها؟!..
ألأنه يؤله ذاته في كبرياء، ويعتقد أنه أسمى من أن ينحدر، ويخطيء!
إن الحقد والكراهية، والكبرياء والأنانية، نباتات مخدرة تفقد الإنسان الذاكرة والوعي والإحساس بالتاريخ، وتجعل المرء يغوص داخل نفسه، وتصبح الأشياء الخارجية بعيدة عنه كل البعد. ورغم أن المرء يكون يقظاً كل البقظة، إلا أنه يبدو وكأنه غارق في النعاس.
“إن الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا”!
فيا ليتنا ننتبه قبل أن نموت!…