بقلم: علي عبيد
لا يمكن أن يجمعك لقاء بفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، دون أن يكون محور الحديث هو دور مؤسسة الأزهر الشريف، باعتدالها ووسطيتها المعروفة، في تصحيح صورة الإسلام التي شوهها المتطرفون المتشددون من أدعياء الإسلام، الذين حولوه إلى دين قتل وعنف وإرهاب، ودون أن يتطرق الحوار إلى تجديد الخطاب الديني الذي يعتقد الكثيرون أن له دورا في تنامي ظاهرة التطرف هذه. وهذا ما حدث في اللقاء الذي جمعنا بفضيلته في القاهرة أوائل شهر أغسطس، ونحن نحضر افتتاح قناة السويس الجديدة.
اللقاء كان مفعما بالمشاعر الفياضة التي عبر عنها فضيلته تجاه دولة الإمارات، التي عمل أستاذا جامعيا فيها فترة من حياته، كما كان مفعما بمشاعرنا نحن تجاه الأزهر الشريف، الذي درس الكثير من أبناء الإمارات في جامعته العريقة، والذي تعرض خلال السنوات الأخيرة لهجمة شرسة، وحاول البعض الاستحواذ عليه، لتحويله إلى مؤسسة مؤدلجة، تخضع لأجندات بعض الجماعات وأفكارها وأهدافها. وهو ما أكده فضيلة الأمام الأكبر، قائلا إن الأزهر قد حورب وجُمِّد دوره، وحدثت محاولات لسحب البساط من تحته، واعترف أنه من المؤمنين بنظرية المؤامرة، رغم اختلاف البعض معه، لأن الواقع يقول إن هناك مؤامرات، وإن هناك من يقف خلفها.
سألت فضيلة الإمام الأكبر عن دور الأزهر الشريف في تصحيح صورة الإسلام التي شوهها المتطرفون، خاصة وأن الجميع يعول على هذا الدور، لما للأزهر من مكانة كبيرة، كونه يمثل منارة للوسطية والاعتدال على مدى تاريخه، وهو ما نحتاجه الآن للخروج من النفق المظلم الذي أدخلنا فيه المتطرفون من أدعياء الإسلام، فكانت إجابة فضيلته طويلة ومتشعبة، إلى الدرجة التي جعلت طاقم مكتبه يطلب منه الاختصار، لإتاحة الفرصة لأسئلة الزملاء الآخرين. هذه الإطالة لها أكثر من دلالة؛ أولها شعور فضيلته بأن الإسلام يواجه أزمة حقيقية تتمثل في أن هناك أصوات كثيرة تتحدث باسم الإسلام، ليس من بينها صوت الإسلام الحقيقي الذي يعبر عنه، ويعكس الصورة الناصعة له، لذلك أثنى فضيلته على قيام دولة الإمارات بإصدار قانون مكافحة التمييز والكراهية، لافتا إلى أن هذا القانون أظهر بوضوح وعي دولة الإمارات وإيمانها بثقافة التسامح والسلام والبناء، ورفض التمييز والكراهية والتشدد والعنف، وإيمانها بمد جسور التعاون مع الجميع، والعمل من أجل القضاء على خطاب الكراهية والعنف، وتسليط الضوء على الدور السلبي للأفكار الهدامة، ومواجهة أصحاب النظرة القصيرة، الذين يغذون الإرهاب، ويبثون سموم التفرقة والكراهية، مؤكدا أن تجريم التكفير هو خطوة جادة نحو ضبط الفتوى، وإغلاق منابع التطرف.
تجديد الخطاب الديني كان واحدا من الموضوعات المهمة التي دار الحوار حولها مع فضيلة الإمام الأكبر، وقد تحدث عنه باستفاضة أيضا، لأن تجديد الخطاب الديني هو أول خطوة للقضاء على الفكر المتطرف الذي غالبا ما ينبع من الخطاب الديني المتشدد. وقد كشف فضيلته عن أن الأزهر الشريف بصدد إصدار وثيقة لتجديد الخطاب الديني، وبدأ بالفعل إعادة صياغة المناهج المقررة على مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي بما يواكب التحديات الجديدة على الساحة، إضافة إلى استحداث مادة الثقافة الإسلامية التي تتضمن عرضا مبسطا للمقولات التكفيرية والأفكار التي تسود الآن وتغذي الفكر المتطرف، لافتا إلى أن الهدف من استحداث هذه المادة هو خلق جيل من الناشئة لديه ثقافة إسلامية صحيحة.
الجهود التي تحدث عنها فضيلة شيخ الأزهر خلال اللقاء كبيرة ومتعددة، منها على سبيل المثال “قوافل السلام” التي يتبناها “مجلس حكماء المسلمين” بدعم من دولة الإمارات، حيث سير المجلس حتى الآن 13 قافلة إلى 13 عاصمة في أوروبا وإفريقيا وأميركا وآسيا لشرح مقاصد الإسلام الصحيح، وتوضيح سماحته التي شُوِّهت على أيدي الجماعات المتطرفة. كما أنشأ الأزهر مركزا إلكترونيا بسبع لغات لمراقبة ورصد أفكار الجماعات المسلحة وتحركاتها، والرد عليها من خلال علماء الأزهر الشريف، وهي خطوة مهمة على طريق مكافحة هذه الجماعات بالوسائل نفسها التي تستخدمها، حيث لا يخفى على أحد أنها نشطة جدا على مواقع التواصل الاجتماعي، تستهدف عقول الشباب الذين يقضون معظم أوقاتهم أمام أجهزة الحاسوب، او ممسكين بهواتفهم النقالة مشدودين إلى شاشاتها، يتنقلون بين هذه المواقع، باحثين عما يشغل أوقات فراغهم، متعلقين بخيوط الأمل الواهية التي تمدها إليهم هذه الجماعات للخروج من أزماتهم الثقافية والاجتماعية والمالية والسياسية، الأمر الذي يسهل على الجماعات المتطرفة اصطيادهم، وجرهم إلى مستنقع الإرهاب والتطرف.
فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، عقلية مستنيرة ومتفتحة، يتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، ترجم عددا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، وعمل محاضرا جامعيا لفترة في فرنسا، له فتاوى وآراء دينية معتدلة، يؤيد جعل منصب شيخ الأزهر بالانتخاب وليس التعيين من قبل رئيس الجمهورية، كما هو متبع حاليا، وقد بادر في شهر إبريل 2011 برد كافة المبالغ المالية التي تلقاها كراتب منذ توليه مسؤولية مشيخة الأزهر، وطلب العمل دون أجر دعما للاقتصاد المصري. وتصحيح صورة الإسلام، وتجديد الخطاب الديني، بحاجة إلى رجال وعلماء بحجم ومواصفات ووعي واستنارة الدكتور أحمد الطيب، لعلنا نخرج من هذا النفق الذي أدخلتنا فيه الجماعات الإرهابية المتشددة، ومضت تمارس علينا وصايتها، كأن أصحابها وحدهم يمتلكون الإسلام، وهم أبعد ما يكونون عن هذا الدين وسماحته وإنسانيته واعتداله وإنسانيته، حتى أصبحنا في نظرهم كفرة، وأصبحوا هم المسلمين الوحيدين على هذه الأرض.