بقلم: شريف رفعت
يقولون أن الوحدة قاتلة، أرى أن هذا وصفا دقيقا لحالتي، هناك خواء رهيب يكتنف حياتي، مر على طلاقي شهران، أسأل نفسي الآن هل كان اقدامي على الطلاق القرار الصائب؟ هل وجود رجل في حياتي و إن كانت طباعه و أفكاره و عاداته مختلفة تماما عني أفضل من معاناة الوحدة؟ بالطبع الوضع المثالي أن أجد من أستريح معه سواء زوج أو صديق، ليس من المفروض أن يكون ذلك في منتهى الصعوبة، فأنا بشهادة الجميع على قدر وافر من الجمال و الجاذبية و عندي مهارات اجتماعية كافية، لكن حتى الآن لم يحدث المراد، المفروض أن المطلقة لا تجد صعوبة في العثور على صديق، فالرجال يعتبرون المطلقة صيد سهل لكن بالنسبة لي و حتى الآن لم أعثر على صياد بعد أو لم يعثر صياد علي بعد.
هذا المساء سيكون الوضع مختلف، سأخرج سأنطلق سأتصرف بجرأة و ذكاء و سأقابل شخص مناسب. مناسب هنا تعبير نسبي، إذا كان هذا الشخص مناسب لهذه الليلة فقط فلما لا، لا أنكر أن أثناء فترة زواجي الغير ناجح لم تكن هناك معاناة جنسية، كنت انا و زوجي السابق من الدراية و الحكمة بحيث لم نربط بين انسجامنا في الزواج و نشاطنا الجنسي، لذلك لم يكن الحرمان و الوحدة في الفراش أحد هموم تلك الفترة، لكنهما الآن حقيقة واقعة سأتغلب عليها هذا المساء.
ارْتَدَت ملابس أنيقة مناسبة للسهرة و توجَهَت لأحد الملاهي الليلية المعروفة بمستواها الراقي، الرواد هنا أغلبهم في منتصف العمر ذو مستوى مادي مرتفع، المكان جميل و الموسيقى حالمة، جلست بمفردها على احد الموائد تتأمل الرواد، هناك بعض الرجال بمفردهم، بالتأكيد سيتقدم لها أحدهم طالبا إياها للرقص، ستكون هذه هي البداية التي ستستغلها الاستغلال المناسب الذكي.
مرت حوالي نصف ساعة و لم يقترب منها أحد، إمرأة جميلة شابة بمفردها في ملهى ليلي به العديد من الرجال و لا أحد يتقدم لها، هناك شيء خطأ، لكنها عازمة على النجاح، رغم أنها لا تدخن إلا أنها اشترت علبة سجائر من الملهى، أخرجت أحداها نظرت حولها، رأت رجلا وسيم يجلس بمفرده يحتسي شرابه، اقتربت منه مبتسمة و سألته أن يشعل لها سيجارتها، ابتسم الرجل و اشعل السيجارة ثم قال:
ـ أنتِ إذا من فئة المدخنين المظلومة التي يحاربها المجتمع.
سحبت نفسا عميقا من سيجارتها و عرضت عليه علبة السجائر فأخذ واحدة، همت بالتعليق على ملاحظته عندما اقتربت منه امرأة حسناء، نساها، رحب بالمرأة التي اعتذرت له عن تأخرها. انسحبت هي في هدوء مدحور إلى مائدتها.
الليل يمضي و لا أحد يقترب منها، لن تستسلم لوحدتها، ستحاول مرة أخرى، جالت ببصرها في المكان، الرواد إما على حلبة الرقص يتمايلون على أنغام الموسيقى أو على موائدهم يتبادلون الحديث، الجميع مشغول عنها، وقعت عيناها عليه، في الواقع كان ينظر إليها، هناك شبح ابتسامة على وجهه، أصلع يميل للامتلاء و القصر، توجهت إليه، مرّة أخرى أخرجت سيجارتها و طلبت منه أن يشعلها لها، اعتذر بأنه لا يدخن، يبدو عليه الخجل، لن تضيع الفرصة، وضعت علبة السجائر في حقيبتها و قالت:
ـ أنت إذا واحد من المحظوظين الذين لم يدمنوا هذه العادة اللعينة.
ابتسم وقال:
ـ أنصحك ان تتوقفي أنتِ أيضا عن التدخين.
ـ هل هذه أول مرّة لك في هذا المكان؟
ـ نعم، إنه مكان ظريف، و أنـتِ؟
ـ حضرت هنا عدة مرات عندما كنت متزوجة.
سكت و اكتفى بالابتسام، لن تـُـضـَيـِع الفرصة، حسنا، شكله ليس وسيم و يبدو عليه الخجل، لكنه رجل. عرض عليها الجلوس فجلست، اعتبرت أنها خطوة أولى جيدة منه، قادت هي دفة الحديث، تعمدت أن يكون الحديث مرحا سهلا، لم تسأل عن احواله الشخصية، ذكرت له باختصار أنها تعمل في وظيفة محترمة، بعد حوالي ساعة من الحديث جاء وقت الخطوة الحاسمة، سألته:
ـ كيف تنوي أن تقضي باقي المساء؟
ـ ليس عندي شيء معين، ماذا عنكِ أنتِ؟
ـ أنا مستمتعة بصحبتك، هل تسكن بعيدا عن هنا؟
للحظة بدى عليه التردد، أخيرا فهم أنه يمكن أن يكون هناك امتداد لهذه السهرة، أجاب:
ـ غير بعيد، حوالي عشرون دقيقة بالسيارة.
ران الصمت لعدة ثوانٍ، شجعته هي بابتسامة داعية، أخيرا نطق و الخجل يقتله:
ـ هل تمانعين أن نذهب عندي؟
ـ سأكون مسرورة جدا، فأنت تبدو إنسانا جميلا.
قال و هو مرتبك:
ـ حسنا، سأذهب لإحضار السيارة، لقد ركنتها عند تقاطع الشارع الرئيسي، قابليني عند الباب بعد خمسة دقائق.
ضغطت على يده قبل انصرافه، توجهت لدورة المياه و نظرت في المرآة لتطمئن على مظهرها، ثم توجهت لخارج الملهى.
الليلة جميلة و واعدة، هناك نسمة باردة منعشة، أخذْتُ أحلم بما ستقود إليه الليلة، مرّت خمسة دقائق، عشرة دقائق، ربع ساعة لم يظهر، أكيد تغلب عليه خجله ، وقَفْتُ حائرة، انتابتني رغبة في البكاء، هل أعود داخل الملهى بحثا عن آخر، أم أعود لمنزلي، لفراشي الخاوي.
سمَعْت صوتا نسائيا أجش بعض الشيء:
ـ تبدين ضائعة.
نظرْت إلى مصدر الصوت، إنها امرأة تميل للطول و الامتلاء تنظر إلي مبتسمة، استمرت المرأة في الحديث:
ـ ليس مفروض أن حسناء مثلك تظل بمفردها في ليلة جميلة كهذه.
لم أدري كيف أرد و لا ما تريد هذه الغريبة مني، لم تأبه المرأة لسماع ردي، اقتربت مني أكثر و أمسكت بيدي قائلة و هي تتأمل ملامحي بشبق:
ـ أسكن قريبا من هنا، التمشية في هذه الليلة الجميلة حتى منزلي ستكون ممتعة.
سحبتني من يدي، فانقدت لها.