بقلم: كلودين كرمة
عجبا لهذه الدنيا..!إنها تشبه الآلة التى تنحت الصخر…فكل يوم يمر على الإنسان يعيد تشكيل شخصيته ويبدل تفكيره ويغرز بداخله مبادئ ومفاهيم جديدة ويسطر كلمات قاسية محفورة بحروف مغايرة للتى تعلمها فى مراحل التعليم المختلفة…ما اقسها من أحرف مكتوبة بالسنة من نار تترك آثارها مدى الحياة.
فالإنسان منذ نعومة اظافره يتلقى تعليمه من البيئة المحيطة به فتؤثر على أسلوب تفكيره وتعبيره عن أراءه وتشكيل شخصيته وردود أفعاله وبالتالى تؤثر على اختياراته وتوجهاته و تحديد مستقبله..ثم ينتقل إلى مراحل التعليم المختلفة التى يستقى منها المعلومات المختلفة وهى بمثابة اول لقاء بينه وبين المجتمع بمختلف طاقاته ويجابه بمفرده المشاكل التى تنتج عن احتكاكه بشخصيات يمكن ان تكون بعيدة كل البعد عن ما تربى عليه .ومن هنا تنشأ الصراعات المريرة فكل يريد ان يثبت انه الافضل والأذكى والأقوى… لكن كيف؟؟؟ فهناك من يلجأ إلى الغش والخداع..ومن يتخذ من التضليل طريقا ليصل إلى غايته ..وهناك من يلقى اللوم على غيره ويقلل من قدره حتى يعلو شأنه..وهناك أيضا من يتعلق حتى يصل إلى أعلى الدرجات ومن يستخدم نفوذه أو أمواله حتى يرغم الآخرين على الإذعان له.
ولكن كل ما يسطره الزمن من تحديات وأحزان والآم وخداع يكون نواة لتشكيل المجتمع ..فهناك شخصيات تتفاعل و تتحدى وتثبت أقدامها وتسعى وتواجه وتجابه وتحقق النجاحات…وهناك شخصيات تنهزم وتنحنى تحت ضغوط الحياة المريرة وتعيش الشقاء المرير. ولكننى لا ألقى اللوم الكامل على هذه الشخصيات الانهزامية فهى لم تجد من يمد لها يد المساعدة وينير لها الطريق ويمر بها من الأبواب الضيقة..وهذا مربط الفرس..فكل إنسان أصبح مشغول فقط بنفسه وتحقيق ذاته على حساب المحيطين به من اهل وأحباب وحتى على حساب نفسه فينفق تماما صحيا ونفسيا لدرجة انه لا يستطيع أن ينعم بما حققه من نجاح وجمعه من أموال فهو يدور ويدور حتى يسقط تعبا …
ومن المحزن أن كل الشخصيات التى خذلناها أثناء سعينا لتحقيق طموحاتنا أو أهملنها طوال فترة كفاحنا، فلم نقدم لها الاهتمام والعناية اللازمة والكلمات الطيبة والحب الكافى -اعتقادا منا انها تقدر وتعذر وتتفهم أن كل المجهودات المبذولة هدفها تحقيق المستقبل الباسم لها.. تنكسر وتصيب الشروخ القلوب مرة تلو الاخرى فى كل مرة تنتظر فيها مجاملة فلا تنلها او احتفاء فلم تجده او مديح فلم تسمعه .. ثم ينتهى بها الامر الى الانعزال وعدم المبالاة بما يدور حولها فلم يعد يؤثر فيها مديح او ذم، نجاح او فشل وتزيد الانكسارات حتى لا يفيد اصلاح او ترميم …فحذار ايها الانسان اسعى وانجح وحقق ذاتك ولكن لا تنسي ان تعيش وتسعد من حولك …وإلا من يدرى هل يطول عمر الإنسان حتى يتنعم بكل هذه الامنيات والوعود والعهود!!! فالحياة بحلوها ومرَّها ليس لها إعادة..