بقلم : شريف رفعت
ينتهي العرض، تأوي العرائس إلى حجرتها و تستقر على الأرفف المخصصة لها. كالمعتاد هناك حالة من الرضا عن النفس فقد كان العرض ناجحا و المشاهدون بالذات الأطفال منهم إستمتعوا به كثيرا. الشاطر حسن ـ نجم العرض الأول ـ الوحيد الذي لم يكن راضيا و لا سعيدا. تسأله ست الحسن، العروسة نجمة العرض الحسناء:
ـ ما الذي يضايقك؟
يجيب:
ـ سخافة ما نعرضه، هل يعجبك العرض؟ هل توافقين على مضمونه؟ على الرسالة البسيطة السخيفة التي يتضمنها.
ـ أنت تستخدم كلمات كبيرة، الغرض من المسرحية الغنائية إسعاد الأطفال و قضاءهم وقت جميل مرح، هذا في حد ذاته هدف مهم و أرى أننا نجحنا في الوصول له.
ـ ليلة بعد ليلة، و عرض بعد عرض نحكي للأطفال عن ست الحسن و الجمال الساذجة التي لا إرادة لها و عن أمنا الغولة شديدة السوء و رمز الشر و عني أنا الشاطر حسن البارع الذكي الشجاع ذي الشخصية البسيطة المسطحة. ماذا عن تعليم الأطفال الصح و الخطأ؟ تعليمهم أن الحياة ليست سهلة و هناك مواقف صعبة يجب إتخاذ قرارات حاسمة فيها، عن تقدير الجمال و عن مؤازرة الخير و محاربة الشر حتى و لو لم يكن الأمر سهلا. أرى أن مسرحيتنا هذه بمضمونها الحالي تساعد على تغييب عقل الأطفال و لا تضيف شيئا ذا قيمة لسلوكهم و تربيتهم.
سكتت ست الحسن، لم تعرف ماذا تقول، هي تحبه، لكن أفكاره أحيانا تقلقها، هل هو حالم أكثر من اللازم، مثالي أكثر من اللازم. في الأيام التالية لاحظت أنه يكثر من السرحان و التفكير، كلامه قليل و تفاعله مع باقي العرائس بعد العرض تقريبا معدوم. لكن الحال تغير، بعد أيام ظهرت الحماسة على الشاطر حسن، شغل أوقات فراغه بالكتابة، لا يتحدث كثيرا مع باقي العرائس، تفكير و كتابة و مراجعة و تصحيح هذا كان شغله الشاغل. أخيرا إنتهى من كتابة المسرحية التي كانت لعدة أيام تتبلور في مخيلته، عرضها أولا على ست الحسن فإنبهرت، ثم قرأها على باقي العرائس، المسرحية تتسم بالرومانسية و الجمال، فيها رسالة واضحة و إن كانت غير مباشرة عن كل القيم الجميلة في الحياة، عن الحب و الإيجابية و العمل التطوعي و تقدير الجمال و الحفاظ عليه و التعاون مع الغير و التسامح مع من يختلف عنا. كل ذلك في قالب فكاهي غنائي مرح سيحوز إعجاب الأطفال. أغلب العرائس أعجبتهم المسرحية بالذات أن لكل منهم دور مهم فيها، البعض كان لهم تحفظات، رأوا أن دور مسرح العرائس مفروض يكون ترفيهي و ليس توجيهي، لكن هؤلاء أقنعهم الشاطر حسن و الباقون بأن المسرحية مازالت ترفيهية خفيفة.
بدأت البروفات، الحماسة تغلب على الجميع، الشاطر حسن لا يـَكِل و لا يـَمـِل، يقوم بالتمثيل و الإخراج و التوجيه و التشجيع، ست الحسن تساعده، زاد حبها له و هي تراه منهمك و متفاني في عمله، عرَفـَته من قبل كـشاب وسيم مرح حبوب، الآن رأت فيه أيضا الجانب الذكي المتحمس المصمم و المـُبـْدِع.
بعد بضعة أيام و العشرات من البروفات تأكد الشاطر حسن أنه وفريقه على إستعداد لتقديم المسرحية الغنائية الجديدة. سيقدمونها في العرض القادم، لن يحتاجون للخيوط التي يحركهم بها العاملون بالمسرح، لذلك تسلل إلى حجرة صنع الملابس و أتي بالمقص الكبير، عاد إلى زملائه و بدءوا جميعا في قص خيوطهم. شعور رائع هذا، قص الخيوط التي تربطهم و تحركهم. ستكون مفاجأة لكل العاملين بالمسرح أن العرائس تتحرك بغير خيوط و أن لديها الجديد الجميل الذي سيقدمونه للجمهور.
موظف بيع التذاكر يراجع أفكاره للمرة الألف، بعد كل سنوات خدمته في هذا المسرح يشعر أنه مغبون، طول عمره يعيش و أسرته على الكفاف، لكن أخيرا أصبح الكفاف رفاهية، راجع الحصيلة الإسبوعية لبيع البطاقات و التي مفروض أن تـُأخـَذ في أول الإسبوع القادم و تـُودَع في البنك، بحسبة بسيطة إيراد المسرح في الإسبوع يعادل نصف مرتبه السنوي، هل هذا عدل؟ لماذا لا تعطيه إدارة المسرح إيراد المسرح لإسبوع واحد ينفق منها على عائلته و يسدد ما عليه من ديون، الخطة تبلورت تماما في مخيلته. بعد أخر عرض في الإسبوع قفل المكتب الملحق بشباك التذاكر، تعمد أن يتبادل بعض الكلمات مع الموظفيين الباقين في المسرح قبل أن يحييهم و ينصرف. عاد بعد عدة ساعات و هو مطمئن لخلو المبنى، رغم أن مفتاح حجرة المكتب معه إلا أنه تعمد كسر الباب، دخل و كسر درج المكتب الذي به حصيلة بيع بطاقات الإسبوع، وضع المبلغ في جيبه، حمل العلبة المليئة بالوقود التي كان قد أعدها من قبل و توجه للوحة توزيع الكهرياء، سكب عليها بعضا من الوقود، ثم سكب الباقي في شريط يصل حتى حجرة و شباك بيع البطاقات. حمل العلبة الفارغة معه، أشعل عود ثقاب و رماه على الوقود و إنصرف بسرعة.
و هم في قمة السعادة و الحماسة تقوم العرائس بالبروفة الأخيرة ـ بدون الخيوط ـ إستعدادا للعرض الذي يبدأ مساء الغد، صوتهم عالٍ، حالتهم المعنوية في القمة، أحلام الإنجاز و النجاح الجميلة تحتويهم. بينما موظف بيع البطاقات يراقب من على بعد مبنى المسرح و هو يتحول لكتلة من اللهب.