بقلم: كلودين كرمة
لمن اعطى إهتماما ولمن أصغى ؟ من يستحق العطاء ومن يستحق التضحية؟ من أشاركه آلامه وأفراحه ؟
أسئلة كثيرة تدور فى أذهاننا وليس لها معيار أو قانون يحكمها .. فكل حسب ثقافته وفكره وطباعه. لأن إجابة هذه جميعها لا تنحصر فى عرق أو جنس أو دين ؛ فالحب بمعناه المطلق ليس له حدود أو تعريف .. فالحب سعادة وشقاء، فرح يخالطه حزن ، قوة وضعف متلازمان ، حرية وقيد ، إبتسامات تصحبها دموع ، تضحية وأنانية ، وفاق وإختلاف إقتراب وتباعد .. فهو كل شئ وعكسه .. وهنا يكمن اللغز فهو مر وعذب فى آن واحد .. أحيانا نخشاه وأحيانا نسعى إليه ، فالحياة صعبة دونه وأصعب فى حال وجوده ، لكثرة إلتزماته ومسؤلياته ، فمن حرم منه بات تعيسا ومن نعم به شكى منه .. انواع الحب كثيرة والسبيل إليه ليس هينا وله كذلك أغراض متعددة .. كتبت فيه القصائد وإحتار فى توصيفه الشعراء و كل القصص الإجتماعية والسياسية والدينية يكون محورها الحب بصورة واضحة او بين ثنايها.
وكم من مشاكل تعترض المحبين ، منهم من يستسلم ويفضل الوحدة والإنفصال عن المجتمع ومنهم من لا ييأس من المحاولات ويتمسك بحقه فى أن يكون مرغوبا به و يسعد بشعور جميل يريح النفس و يقدم الحب بدوره .. ولكن لمن ؟
إن الإنسان هادئ النفس والطباع ، يعى معنى الحياة ولا يهدر وقته فى تدبير المكائد ولا يستهلك طاقته فى إيجاد أسباب للمشاعر المتقلبة ولا يجهد ذهنه فى إيجاد تفسير لتصرفات غريبة وأفكار مشوشة .. فهو يعلم جيدا أن ليس أحدا كاملا وأن لابد أن تختلف المعايير من شخص لأخر فيقبل أن يتعامل وبذكاء مع الشخصيات المتباينة ويعمل بصدق على التعايش السلمى فيكثر من الأصدقاء رغم الإختلاف بل بالعكس أنه يرى جمالا فى عدم التطابق ويجد متعة فى التوافق وخاصة مع الشخصيات صعبة المراس و ذو الطباع العنيدة ويحرص كل الحرص على أن يكون محبوبا أو على الأقل مقبولا وعلى أسوأ الإحتمالات أن لا يكون مرفوضا من أحد .. فيكون الملجاء وقت الضيق والأمان فى وقت الخوف والسند وقت الإنهزام والإطمئنان حين الإضطراب ، فيصبح للجميع كل شئ ، فيمدحه الجميع على حسن خلقه وعلى مساندته وما يقدمه لهم من دعم معنوى ونفسي وربما اكثر من ذلك .. فالتضحية بالوقت حب ، وبالراحة حب والإهتمام حب وفى الإصغاء حب وفى السؤال حب ؛ فالحب له اوجه كثيرة وله معطيات عديدة والوحيد الذى بدون تحليل وحسابات له نتائج مبهرة يستنتج منها ؛ ومع كل تقدمة حب نظريات رائعة يبهر نورها العيون وينتشر عبيرها فتملأ الأجواء وتبهج النفوس فتعطى قوة للضعيف وعزم وتفتح أبواب من الأمل فيتلاشى غبار الحزن و مخيلات الظلام واليأس والإحباط. ومن هنا يتبين ان الحب فى الأساس ليس له قواعد وليس مشروط فهو كالأنهار تروى من أقبل أليها وتغسل ما قد إلتصق بالجسد وشوه النفس ..فالنهر لا يفرق بين فرد وأخر على مختلف الأصعدة هو يعطى بإستمرار لا يمل ابدا ولا يحجب عطاياه ولا يخضع أحدا للتقييم ولا يعنف ولا يغضب ، حتى وإن حدث أن ناكرا للجميل لوثه فيظل كما هو هادئا مياهه متجددة جارية تصر على نشر الخير ولا تكترث ابدا لمن أساء إليها وإن عكر صفو ماؤها فهى تعرف جيدا إنها بالمضى قدما ستتجدد طاقتها ويعود إليها بريقها.
ومثلها يكون الأنسان الواثق من نفسه ومن قيمته التى تكمن فى كم عطائه الذى ينبع من ينبوع خير لا ينضب ابدا. إن الصفات الحسنة والخصال الحميدة لا يمكن أن تتوارى فهى كأشعة الشمس التى تخترق الغيوم ؛ ولا أجمل من الشعور بالدفء والإحتواء ، فالنظرة الحانية والأيادى الممتدة بالنعم والوجه المتهلل ، رغم الهموم ، هم سمات علية القوم . فمن العقل الواعى الفكر السامى ومن الروح الطيبة التسامح والغفران ومن النفس الهادئة الطمأنينة والصبر ومن القلب الحنون الرحمة والرافة ومن راحة اليد الخير والعطاء ، فكل أعضاء الإنسان إنما خلقت لبنأء مجتمع سوى ، سعيد ، ينعم افراده بالأخوة ويتكاتفون لمعانقة الخير والحفاظ على الحب ، هذه الثروة العظيمة التى إن ترسخت أساساتها بنيت عليها الجنة وينعم الناس بمعاينتها وهم بعد أحياء على الارض .. لم يخلق الإنسان ليقتل ويعتدى ويحارب ويخرب بل خلق ليعمر ويبنى ويسعد ويهنأ بعيش رغيد و “ما أحلى أقدام المبشرين بالسلام “ .