بقلم: أ.د. ناهدة العاصي
شدّ انتباهي التقرير الفصليّ الأوّليّ الصادر عن الوكالة الفدراليّة الكنديّة بعد تشريع الماريجوانا في أكتوبر ٢٠١٨ والذي أكّد على أنّ:
ـ ١٨٪ من الكنديين ١٥ عاماً فما فوق (أي حوالي ٥،٣ مليون شخص) أبلغوا عن استعمالهم الماريجوانا.
ـ المزيد من الذين تتراوح أعمارهم بين ٤٥ و ٦٤ عاماً استخدموا الماريجوانا بشكل ترفيهيّ.
ـ كما ازداد استخدام الماريجوانا بنسبة ١٤٪ والمفاجئ أن عدد مستخدميها لأول مرّة بلغ ٣٣٠ ألف كندي والرقم، حسب المصدر، معرّض للإرتفاع إلى ٦٥٠ ألف بعد مرور عامٍ على التشريع. ومن بين هؤلاء، ٣٠٪ تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٥ عاماً.
ـ يقول السيّد J.F.Crepault كبير محلّلي السياسات في مركز الإدمان والصحّة العقلية، إن منشأة تورنتو تسعى لمعرفة إذا كان الإرتفاع الأولي في الإستخدام سيُترجم إلى استخدام طويل الأجَل وبالتالي سيشكّل مشكلةً، أم أن معدّلات الإستخدام ستنخفض بعد فترة أسوةً بما حصل في بعض الأماكن الأخرى في العالم، وهو ما يدعوني للدهشة التي لا تمنعني من الضحك لعدم القيام بمثل هذه القياسات والدراسات الضرورية قبل تشريع القانون لا بعد تشريعه.
وهل قرار الإستمرار بالتشريع بيد الباحثين؟ أشكّ في ذلك خاصّة وأنّه لا جدوى هنالك من تلك الأبحاث إن كانت أرقامها تشير إلى أن المشكلة واقعة لا محال. ومما لا شكّ فيه، هناك ازدياد في الإستعمال وفي حجم التّكلفة الباهظة التي سيتسبّب بها هذا الإستعمال، وإن نظرنا بعين العقل إلى شكل وكلفة علاج المشاكل الناجمة منه! والسؤال، هل الجميع مستعدّون لمواجهة التبِعات؟ ومَن الذي سيتنصّل من المسؤوليّة عندما تقع الفأس في الرأس؟ وهنا لا بدّ لهم من أن يجيبونا عن كلّ هذه الأسئلة ويقنعونا بدواعي المخاطرة بحياة ومستقبل نسبةٍ عاليةٍ من شبابنا لنعرف هل كان الأمر يستحقّ منهم مثل هذا التشريع من عدمه؟
ومن المعروف أن وكالة خدمات الحدود الكنديّة (CBSA) هي أحد أجهزة الدولة الرقابيّة التي تسهم في ضبط الكثير من القضايا الجنائيّة والجرائم التي تشمل حيازة مواد محظورة أو غير معلن عنها كالمخدّرات مثلاً والتي تواجه في الوقت الراهن هجوماً من قِبل العديد من المسافرين للحدّ من قدراتها وفاعليّتها. فمن جهة، ووفقاً للقانون، يحقّ للوكالة أن تبحث في الأجهزة الإلكترونية التي ينقلها المسافرون على الحدود وبدون أمر قضائي، تماماً كما تفعل مع الأمتعة. ولكن من جهةٍ أخرى، يقول البعض بأنه لا حقّ لها بضبط الموادّ المخدّرة (مثل الماريجوانا) خاصّة إذا كانت الدولة قد شرعت استخدامها بقانون ملزم. فهذه الأجهزة الرقابية تقوم بمصادرة هواتفهم الذكية وأجهزتهم الإلكترونية الشديدة التطور والحساسية، وهم يرفضون إعطاء كلمات السر الخاصة بهم من باب حرّية خصوصية المعلومات. وهنا لا نمانع من قيام كل ضابط مسؤول بعمله على أكمل وجه شرط أن يكون هذا الإجراء نتيجة شبُهات حقيقيّة يمتلكونها حول البعض من حاملي هذه الأجهزة لإرسالها للمختبرات الحكومية لمعرفة كلمات المرور الخاصة بها وللوصول إلى ما تحتويه والتحقّق من قانونيّة ما تحتويه من عدمه.
في الحقيقة، لا أفهم ما سرّ غضب أجهزة أمن الدّولة من بعض الذين يدّعون عليها ولا يساندون جهودها للكشف عن أدلّة تتعلّق بالجرائم بشتّى أشكالها وهي تحمي تشريع حكومي يساعد على تنمية الجريمة والجرائم بعد تغييب عقل المواطن، خاصّة مع وجود أدلّة دامغة على وجود مخالفات ارتقت إلى حدّ الجريمة بسبب أجازة وتشريع هذا القانون الفاسد الذي يهدد أمن المجتمع بأسره.
نعم لدولة تعمل أجهزتها بجدّ وإخلاص! نعم لأجهزة لا تعمل فقط على منع دخول الأشخاص غير الشرعيّين بل تعمل أيضاً على منع دخول كافّة الموادّ غير الشرعيّة التي تسبّبَ احد تشريعاتها في حريّة تداولها دون النظر لمصالح مواطنيها والعمل على حمايتهم منها. وهذه هي الدولة التي لم نكن نحلم بها في إطار الدول التي تتأنّى في تشريعاتها قبل إصدارها لتتماشى وتتناسب مع مصالح الوطن والمواطن. فهل من العيب على حكومتنا الموقّرة في أن تعيد النّظر في قانونٍ ما أو حتّى التراجع عنه بعد أن رأت بأنّه تشريع لا يخدم مصالح الوطن ويضرّ بصحّة المواطن بالغ الضّرر؟