بقلم: يوسف زمكحل
عرفت البشرية الحب منذ بدء الخليقة فالبعض عرفوا السعادة والبعض الآخر عرفوا الشقاء وذرفوا الدموع بل قدموا حياتهم من أجل هذا الحب ولا يوجد إنسان سوي على وجه الأرض لم يسمع عن الحب أو لم يذقه . وبعض من الشخصيات التي غاصت في الحب وكم كانوا أقوياء في حياتهم العادية ولكن أمام الحب ركعوا أمامه مستسلمين له رافعين الراية البيضاء ومن بين هؤلاء الأمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت وهو قائد الحملة الفرنسية التي جاءت إلي مصر قبل أن يصبح أمبراطوراً على فرنسا ورغم عشقه للنساء إلا أنه أحب جوزفين دي بوارنييه ذات الأصول الفرنسية ووصل حبه لها لحد الجنون وتزوجها في عام 1796 وظلت زوجة له حتى وقع الطلاق بينهما في عام 1809 وقد أختلفت الروايات على حبهما ولكن الأهم أنها كانت تكبره بستة أعوام وكانت لها ملامح تنفذ إلى قلب الناظر إليها وجاذبية هادئة وصوت عذب جميل ولكنه طلقها بحجة عدم الإنجاب وعند سماع جوزفين الخبر سقطت مغشياً عليها ثم رحلت بعد أيام بكبرياء وبعد وفاتها بكى عليها نابليون وقال أن قلب جوزفين هو أطيب قلب عرفته . ثم تزوج نابليون مرة أخرى من ماري لويز أبنة أمبراطور النمسا وأنجب منها وهي لم تكن تحب نابليون رغم إنه كان مخلصاً لها ولما كان على فراش الموت في جزيرة سانت هيلانة طلب من طبيبه أن يضع قلبه في زجاجة نبيذ ويرسله إليها ويقول لها أنه أحبها من كل قلبه وأن حبه لها لم يفتر قط .
أما الأديب جورج برنارد شو فهو عرف كثيرا من النساء رغم إنه لم يكن وسيماً ولكنه كان غريباً يغري النساء بغرابته ويجذبهن إليه وهو كان يتجنب اللحوم والخمور والشاي والقهوة والتدخين وأحب برنارد شو ثلاثة من النساء أولهما ماي موريس وكان برنارد يزورها في بيتها ويستمتع بالحديث مع والدها ولكنه لم يجرء أن يطلب يد أبنته رغم أنه هام بها جداً ولكن لم يصرح لها بحبه وهي الأخرى كانت تحس تجاهه بمشاعر الحب وكان هو يشعر بذلك في طيات وداعها له عند خروجه من منزلها مما جعل برنارد شو يشعر بأن الخطبة آتية لا ريب فيها . وفي ذات يوم عرف أنها خطبت إلي أديب وتزوجته . أما المرأة الثانية التي أحبها فهي الين تري وهي ممثلة إنجليزية وكانت رائعة الجمال أحب كل منهما الآخر عن بعد ولم يلتقيا وإنما كان يتراسلان والرسائل كشفت عن أسلوب فريد في الحب لا يطاق فقد كان يراها على المسرح كل مساء وكان يراها وتراه بعيونهما فقط ثم عندما يذهب برنارد شو إلي منزله يكتب إليها رسالة يعبر فيها عن شوقه ولوعته وترد عليه برسالة أخرى في الصباح وقد بقيا الأثنان على هذا النحو يستمتعان ويعانيان لذة الفراق الأليمة . أما المرأة الثالثة التي أحبها برنارد شو ولكن عشقه لها كان من النوع الهادئ وتزوجها وقد كتب عن الحب قائلاً أن الحب يستأذن المرأة في أن يدخل قلبها أما الرجل فإنه يقتحم قلبه دون استئذان وهذه هي مصيبتنا أن الرجل يتصور السعادة ولكن المرأة هي التي تقوده إليها . أما الشاعر جبران خليل جبران فنشأ بينه وبين الكاتبة مي زيادة حباً فريداً لا مثيل له في تاريخ الأدب وقد أستمرت العلاقة بينهما عشرين عاماً دون أن يلتقيا وكيف يلتقيان وبينهما آلاف الأميال فهو عاش في نيويورك حتى مماته بينما عاشت مي في القاهرة بعد انتقالها من لبنان وماتت فيها وكان حبه لمي هو الحب الوحيد الذي ملك عليه قلبه وخياله وقد صرحت مي عن حبها لجبران في مطلع رسالة يوم 21 مايو 1921 حيث قالت : أحبك قليلاً ، كثيراً ، بحنو ، بشغف ، بجنون ، لا أحبك . فرد عليها برسالة قال في جزء منها :
تقولين لي أنك تخافين الحب … لماذا تخافين يا صغيرتي ؟
أتخافين نور الشمس ؟ .. أتخافين مد البحر ؟
أتخافين مجئ الربيع ؟ .. لماذا يا ترى تخافين الحب ؟
وما ألطف قول من قال .. يا مي عيدك يوم
وأنتِ عيد الزمان