بقلم: تيماء الجيوش
ما حدث في المجتمعات الديمقراطية أنه و منذ عقودٍ عديدة لم تعد مساهمة المرأة مُقتصرة على أدوارٍ هامشية أو تقليدية، بل انها اتسعت و دون استثناء لتشمل مناحٍ متعددة منها الاقتصاد و السياسة و المجتمع و القانون و الثقافة و العلوم …الخ. وهذا عاد و بعلاقة جدلية نحو إثراء النظم الديمقراطية و تطورها. تحديداًفي السياسة،
مُنِحتْ النساء المساحة و الوسائل كي يُشاركن في صنع القرار و القيادة فكان العديد منهن في رئاسة الوزراء، رؤساء أحزاب، وزيرات، نائبات في البرلمان وهذا بحق هو حق اصيل من الحقوق المدنية في شرعة حقوق الإنسان. يُعزى لمشاركة المرأة هذه بناء السلام الأهلي و الاضطراد في التعاون المجتمعي و التنوع . و بالرغم من هذا فإن مساواة الجندر هذه لازالت تُجابه بالكثير من المعارضة التقليدية التي ما فتئت تستخدم أساليب و تكتيك يخدم استراتيجيتها الأساسية في تقويض بل و منع المرأة من المساهمة سياسياً وفي الشأن العام عموماً.
و يتخذ العنف ضد المرأة صيغاً كثيرة و تختلف درجات حدّتهِ في السياسة بحسب المحيط الاجتماعي الثقافي و الاقتصادي لكنه واضح ومباشر في استهدافه جنسهن أي النساء لكونهن نساء ، كما أشكاله تقوم على التهديدات الجنسية والعنف الجنسي و هدفه بالمجمل كما ذُكِرَ آنفاً هو إقصاء النساء عن العمل السياسي . على الضفة المقابلة لإستراتيجية العنف هذه تحث نصوص القانون الدولي و معاهدات و مواثيق حقوق الإنسان وقوانين وطنية ديمقراطية على أن المرأة يجب أن تكون قادرة على ممارسة حقها في المشاركة السياسية دون عنف أو خوف كأن تكون ناشطة ، ناخبة أو مُنتخبة، عضو في أحزاب سياسية ومرشحة، وممثلة منتخبة ومسؤولة. و هذا هو حال القوانين في كندا التي اعتمدت على مبدأ المساواة و احترام المرأة و التجربة السياسية للنساء . غير ان ما حدث مؤخراً كان صادماً، حيث وقع الاعتداء اللفظي و التهديد المباشر لنائبة رئيس الوزراء في كندا السيدة CHRYSTIA FREELAND.
حدث هذا في معرض زيارتها لمقاطعة البرتا . و ما شكّلهُ هذا الاعتداء من خرقٍ للقانون بل و على الارجح فعلٍ جرمي . حيث صرخ رجل في وجهها انت «خائنة «و بعضاً من الألفاظ النابية التي لا تليق بمقامٍ او مقال و امرأة اخرى الى جواره اتبعتها بعبارة «انت لا تنتمين الى هنا «. عُدَّ هذا الاعتداء الأسوأ لإمرأةٍ تعمل في السياسة و الشأن العام في كندا. أدان معظم الأحزاب و الوزراء و العاملين في السياسة هذا الاعتداء ، و في معرض تعليقه على الحادثة ذكر رئيس الوزراء السيد ترودو بأن هناك الكثير من الضغط و ليس هناك للأسف من حلول سهلة لهذه المصاعب التي نواجهها . سيتطلب الأمر عملاً دؤوباً و أن نُحسِن الاستماع لبعضنا البعض.
“ It’s a lot of pressure for a lot of people and unfortunately there are no easy solutions for all these challenges we’re facing. It’s going to take hard work, listening to each other, [and] orders of government stepping up,” Trudeau .
ذهب البعض من الخبراء في تحليله لما حدث على إن النزعة الشعبوية والاستقطاب على الطريقة الأمريكية تتسرب عبر الحدود ، وزاد الوباء الأوضاع سوءًا. لكن الأدق من التحليل ذهب الى أن ما تعرضت له الوزيرة فريلاند هو المثال الأقرب و الأوضح لما تتعرض له النساء المنخرطات في السياسة و العمل السياسي. و لعل مثل هذا الحادث سيكون عاملاً من عوامل تردد المرأة في خياراتها للعمل السياسي.
على أية حال تاريخ تطور الحقوق المدنية و السياسية للنساء على وجه الخصوص يُبرز حقيقة أن العنف القائم على النوع الاجتماعي في الحقل السياسي كان لا مرئياً،
لسببٍ بسيط هو أن المرأة بحد ذاتها و لدرجة ٍ ما أعتقدت بأن ضريبة العمل السياسي هو سوء المعاملة و التحرش و الاعتداء و بالنتيجة تم اعتبار هذا العنف جزء من حزمة بأكملها ، جزء لا يتجزأ من التجربة السياسية للمرأة . في العودة لما حدث مع السيدة فريلاند هي نسوية أبرزت الوجه الحضاري لكندا ، قدمت في خطوة تاريخية كوزيرة للمالية في العام ٢٠٢١ الميزانية لمجلس النواب الكندي، تلك الميزانية التي جاءت لتعالج ندوب وانكسارات الوباء ونتائجه. Covid-19 و كل ما تعنيه تلك الميزانية لنا نحن الكنديون على تنوعهم و تفردهم. و ما ترمز اليه أن المساواة و احترام حقوق الإنسان و حقوق المرأة هو هدف أساسي و ليس تكتيك لإثبات ان العمل الحكومي لا يشوبه شائبة و الفرق شاسع بين الأمرين . السيدة فريلاند لها كل التضامن . هي وجه من وجوه كندا الحضارية التي نحب. و قبل الاعتداء على النساء العاملات في السياسة هل تستطيعون القيام بعملهن؟ أجزم وكلي ثقة بـ لا .