بقلم: علي عبيد
نحن أمة أكرمها الله بأديان سماوية سمحة، تدعو إلى العفو والصفح، وتنبذ الكراهية والتشدد والتعصب. وفي الإمارات شعب حباه الله بقيادة حكيمة تؤمن بأن الإنسان المؤمن يجب أن يكون رحيما ومتسامحا، كما قال مؤسس الاتحاد المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. يعيش في دولة تنطلق من ثوابت راسخة، تحرص من خلالها على تعزيز علاقاتها على أساس من الاحترام المتبادل والتفاهم والحوار والتعاون، ونبذ كل أشكال الإرهاب والعنف والتطرف، كما قال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة. وترى أنه لا مستقبل لهذه المنطقة بدون إعادة إعمار فكري، يرسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر فكريا وثقافيا وطائفيا ودينيا، كما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. وتقدم نفسها للعالم على أنها كانت وما زالت داعية سلام، ورمز التسامح بين الشعوب، كما أوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
التسامح قيمة إنسانية كبرى، وهو ليس حكرا على أمة دون أخرى، ولا شعب دون آخر، كما أنه ليس حكرا على دين دون دين، فكل الأديان السماوية جاءت لنشر المحبة بين البشر، وحضت على التسامح، ودعت الناس إلى التعايش في وئام، لكن البشر هم الذين غيروا وبدلوا، فتركوا تعاليم السماء خلف ظهورهم، ووضعوا مصالحهم وأطماعهم أمام أعينهم. ومن يقرأ التاريخ يجد أن أكثر مراحله دموية هي تلك التي طغت فيها أطماع البشر، واستخدموا اسم السماء لتحقيق أحلامهم، ومضوا ينشرون الظلم حتى أغرقوا الأرض في الظلام، وسقوها بالدماء، وأزهقوا أرواح الأبرياء، وأهلكوا الحرث والنسل، فأطبق الحزن على الكون، واكفهر وجه الحياة، وما عاد أحد على وجه البسيطة إلا وناله حظ من الظلم والقهر.
هذه القيمة الإنسانية الكبرى التي نحمد الله لأنه حبانا بها، وما زلنا نحافظ عليها، تحولت لدينا إلى وزارة في التشكيل الحكومي الأخير، يندهش كل من يسمع عنها، لأنه يعلم أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي دولة التسامح الأولى في عالمنا اليوم، بدليل وجود هذا العدد الكبير من حاملي الجنسيات المختلفة الذين يعيشون على أرضها في حب ووئام، وهذا العدد الكبير من أتباع الديانات المختلفة الذين يلتقون تحت سمائها دون خصام، وهذا العدد الكبير من المنتمين إلى ثقافات مختلفة الذين ينصهرون داخل مجتمعها في تناغم وانسجام. يحدث كل هذا تحت عنوان كبير هو التسامح والمحبة من أجل حياة سعيدة لا يتصادم فيها البشر، بل يتفقون ليشكلوا نسيجا واحدا متسقا من العيش الآمن المطمئن، مبتعدين عما يحدث حولهم في هذا العالم المضطرب الملئ بالحروب والاقتتال والصراع بين البشر.
هل هناك ضرورة لإنشاء وزارة للتسامح في دولة قامت أساسا على التسامح، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التي تجمع على أرضها أكثر من 200 جنسية، يعيشون في وئام وانسجام لا يجدونه حتى في بلدانهم التي قدموا منها؟
هذا هو السؤال الذي كثيرا ما يطرح عندما يكون الموضوع هو وزارة التسامح التي لم تفكر في إنشائها قبل دولة الإمارات العربية المتحدة دولة في العالم، وهو السؤال نفسه الذي يُطرَح على معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، زيرة الدولة للتسامح، في المحافل الدولية. وكان واحدا من المحاور المهمة خلال الجلسة الحوارية التي نظمها المكتب الإعلامي لحكومة دبي، ودعا إليها مجموعة من القيادات الإعلامية، التقوا مع معالي الوزيرة، لإلقاء الضوء على الركائز الأساسية للبرنامج الوطني للتسامح، ومناقشة أهم المبادرات التي يتضمنها، وأبرز الأهداف المنشودة منها.
التسامح واحد من القواعد الأساسية التي قامت عليها دولة الإمارت، وترتكز قيمه على الدين الإسلامي، ودستور الدولة، وإرث المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والأخلاق الإماراتية، والمواثيق الدولية، والآثار والتاريخ، والفطرة الإنسانية، والقيم المشتركة. هذه الأسس التي تضمنها البرنامج الذي أعدته وزارة التسامح، تضع لنا خارطة للطريق الذي تنتهجه الوزارة في تنفيذ برنامجها الذي يقوم على محاور عدة، منها تعزيز دور الحكومة كحاضنة للتسامح، وترسيخ دور الأسرة المترابطة في بناء المجتمع المتسامح، وتعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والتطرف، وإثراء المحتوى العلمي والثقافي للتسامح، والمساهمة في الجهود الدولية لتعزيز التسامح، وإبراز دور الدولة كبلد متسامح.
هذه المحاور تحتاج دون شك إلى مبادرات، ليس من الحكومة ووزارة التسامح فقط، وإنما من كل المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة، ومن شعب دولة الإمارات والمقيمين على أرضها، كي نقدم للعالم نموذجا فريدا للمجتمع المتسامح، وننشر ثقافة التسامح بين الدول والشعوب، على أمل أن تتوقف الحروب والصراعات التي نعيشها في عصرنا هذا، والتي يشكل التعصب والتطرف والكراهية وقودها، ولن تكون لها نهاية ما لم تسُدْ ثقافة التسامح وقبول الآخر بين البشر. ولا شك أن دولتنا قادرة على تقديم هذا النموذج للعالم، مثلما قدمت نماذج كثيرة من صور النجاح تحدت بها دولا كبرى ذات إمكانات وتاريخ عريق، فنحن متسامحون بالفطرة، وقادتنا قادرون على تحويل الأفكار إلى حقائق، وقد كانت وزارة التسامح ذات يوم مجرد فكرة.