بقلم : سوسن شمعون
إن الرواسب الإجتماعية و ما تخلِّفه من أفكار سامة هي التي تودي بالناس إلى مرامي التهلكة , فبعض المتوارث من سلوكيات و أقوال و أفعال لم تعطي سوى المزيد من الضلال و الضياع في نفوس أبناء المجتمع الواحد , ورغم التباين الذي نراه بين الطبقات المتعلمة (وليست المثقفة) و الطبقات الفقيرة معرفياً إلا أن هناك أرضية مشتركة تجمع الفئتين , فكلنا يعرف أن للتربية الأُسرية الدور الأول في توعية الإنسان قبل المدارس والحياة العملية , ولكن عندما تكون هذه التربية ضعيفة المستوى متشرذمة المنهج و متردية الأداء , يكون الفساد في بدايته ثم يربو و يكبر مع الوقت و مع رفقة السوء و في أزقة الشوارع , إن ما نراه من فسادٍ في الرأي و بذائة في الكلام و الأفعال من عامة الناس هو نتيجة قصورٍ أخلاقي و روحي في التربية الأولى مع الخطوات الأولى , ومن شبَّ على شيءٍ شاب عليه , و من حيث الواقع نرى أن الكثيرين قد يتشاجرون ويشتمون أمام أبنائهم و ينسون أو لا يبالون بأن هؤلاء الأبناء يتخذونهم قدوةً لهم في كل شيء , و من هنا تظهر آثار الرواسب الإجتماعية في تقليد الكبار بأفعالهم و أقوالهم دون وعي و دون رادع , فهل عرف الآباء حجم و بشاعة الجريمة التي يرتكبونها بحق أبنائهم وهم لا يعلمون أو يعلمون ولا يبالون ؟ و هنا الجريمة أفظع . وأذكر أيضاً مفهوم التعبير عن الغضب أو الإستياء و الذي يمكن أن يكون عنيفاً و جارحاً ومكروهاً ولكن للأسف متّبع و منتشر , وهو ليس من السلوك القويم أو الحكمة في شيء, و المشكلة أن الهمجية هي التي تحكم تصرفات معظم الناس بلحظات غضبهم حتى رغم سطحية الموقف و تفاهة الحدث أحياناً , وليس الأمر موضوع قلة صبر أو عدم تحمل إنما هو الجهل وسلوكه متبع شئنا أم أبينا. قيل ذات مرة بأن الجاهل يفعل بنفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعل به, و لقد رأينا جميعاً نتيجة ذلك علناً وعلى رؤوس الأشهاد , حينما قام البعض بجهلهم و قلة وعيهم بإثارة الفتن وتفاقمت هذه الأحداث بسبب عدم الإحساس بالمسؤولية اتجاه الوطن و المجتمع و غلبت لغة القوة على لغة العقل ,وما يحدث لنا هو أمرٌ حتمي ونتيجة بديهية لطابع الجهل الذي يتسم فيه قسمٌ كبير من الناس , فالكفر جهل والزنا و البذائة في الحديث و العمل الغير متقن جهل والاقتتال دون سبب حقيقي هو جهل والسرقة و النهب و التكبر والعجرفة والغرور هي نتائج جهلنا بذاتنا و بنهايتنا أيضاً , فالجهل يبتعد بصاحبه عن إشغال عقله في فهم و استيعاب الأمور ومدلولاتها و ردات الفعل المتوقعة, و يعميه عن شرع الله , و كذلك العبادة العمياء دون خشوع و تفكر و استدراك هي جهل أشد و أقسى , وعدم معرفة أو التعرف على حقوق الآخرين والوقوف عليها هو جهلٌ بالعدل الإلهي , وعدم الإلتزام بالأخلاقيات والفضائل و الإنصات لصوت الضمير هو جهلٌ قاتل , و أيضاً الإبتعاد عن الله هو أكبر و أشنع جهل يحاصر الإنسان و يحد من إنسانيته و حكمته و رسالته في الحياة.