بقلم : على أبودشيش
تميز المصري القديم عن غيره من الشعوب بالاهتمام بالعالم الآخر، ولذلك كان الهدف الأساسي لعملية التحنيط هو أن تعود الكا “الروح “ إلى الجسد (غت) مرة أخري فعندما تعود الروح في العالم الآخر إلى الجسد فتجده كما هو بدون أن يبلي، فتستطيع الروح أن تتعرف عليه فيبعث مره أخري ، ويدخل الجنة وهي حقول الاياروا ، أو يدخل إلي الجحيم علي حسب عمله الذي قام به في الحياة.
وكان المصريون القدماء أول من مارس الطب والصيدلة علي أسس علمية وقد برعوا في علم التحنيط الي حد كبير جدا ورغم كل التقدم الهائل لازالت بعض المواد الخاصة بالتحنيط عير معروفة حتي الآن.
ومن أكثر ما أزعج المصريين القدماء ليس هو الموت وإنما التغلب علي العقبات التي قد تعوق رحلتهم في العالم الآخر، فيستطيعون الحياة مره أخري ولذلك كان لابد من الحفاظ علي العناصر التي يتكون منها الجسم حسب المعتقد وهي
1- الروح (با) وكانت تحل في جسد صاحبها وصورت علي هيئة طائر برأس صاحبه.
2- القرين (كا) أو الروح الحارسة وكان يقدم لها القرابين لكي تبقي في مكانها دائما ولا تفارقه أبدا.
3- القلب (إيب) وكان رمزا للضمير والأعمال.
4- الاسم (رن) وكان لابد أن يكون للشخص أسم.
5- الظل (شوت) وكان للظل أن يخرج للمقبرة مع الجسد والروح.
6- النورانيه (آخ) وكانت تدل علي الهداية للخير.
7- الجسد(غت) وكان لابد من الحفاظ عليه بالتحنيط.
ولذلك كان من الواجب الحفاظ علي هذه العناصر جميعا والحفاظ علي الجسد سليما واضح المعالم وفي أبهي صورة.
ولذلك فقام المصري القديم بالدفن في الرمال وفي الصحراء الجافة ليساعد ذلك في امتصاص الرطوبة.
وكانت تتم عملية التحنيط في معبد التحنيط وتستمر لمدة 70 يوما منذ الوفاة وحتي الدفن، وكان الكاهن المحنط هو الذي يقوم بعمليه التحنيط فضلا عن أقامه الصلوات والدعوات، ويبدأ المحنط بتفريغ الجمجمة عن طريق الأنف من خلال خطاف ثم استخراج المخ.
ويوضع الجسم فوق حوض مائل ينتهي بإناء ثم يوضع علي الجسم ملح النطرون الجاف لكي يمتص السوائل، وكان ملح النطرون مقدسا يستخرج من الصحراء الغربية (وادي النطرون) .
وبعد ذلك يتم تفريغ البطن من الجانب الأيسر ثم يخرجون الأحشاء من فتحه البطن ماعدا القلب يظل في الجسد.
وكانت الأمعاء تملأ عادة بالمر والايسون والبصل بعد غسلها في نبيذ النخيل ثم يملأ تجويف الصدر بملح النطرون .
وكانت الأحشاء تعالج بملح النطرون والمواد العطرية حتي تجف ثم تلف وتحفظ في أربعة أواني خاصة بالأحشاء، وتم تغطيه هذه الأواني علي هيئة رؤوس أبناء حورس الاربعة وهم (إمستي) برأس إنسان لحماية الكبد، و(حابي) برأس قرد لحماية الرئتين و(دواموت أف) برأس ابن آوي لحماية المعدة ، و(قبح سنو أف) برأس صقر لحماية الأمعاء.
وعرفت ذلك باسم “الأواني الكانوبية” وكانت هذه الأواني أوعية لحفظ أحشاء الميت عند نزعها من جسمه أثناء التحنيط ويقوم علي حمايتها أبناء حورس الأربعة وهم (إمستي، وحابي، ودواموت أف ، وقبح سنو أف)
وأستعمل المحنطون العديد من الأدوات المعدنية والحجرية ومنها:
- الأزميل لكسر عظمة الأنف لاستخراج المخ.
- والمشرط لفتح البطن لاستخراج الأحشاء.
- والموس والمقص والملقاط والإبرة للخياطة مره أخري.
- والفرشاة لتنظيف فراغ البطن بعد استخراج الأحشاء.
واستخدم المحنطون العطور علي نطاق كبير من الزيوت ومن أهمها ما يستخرج من شجرة اللبان.
وبرع الفراعنة أيضا في تحنيط الحيوانات وكان يتخذ منها آلهة يقوم بعبادتها وموزا مقدسة لأقاليم ثم أصبحت الحيوانات رمزا للمعبودات.
فظهر الآله آمون علي هيئة كبش أو أوزه والربة حتحور علي هيئة بقرة.
ودفنت هذه الحيوانات في مقابر جماعية مقل مقبرة الصقور في سقارة والسرابيوم الذي كان مخصص الجدل المقدس.
وكان الكبش رمزا للإله (خنوم) الذي كان خالقا منذ البداية علي حسب معتقدهم، فضلا عن تحوت (طائر ابي قردان ) وسوبك (التمساح) وباستت (القطة) وغيرها من الحيوانات التي قام بتحنيطها.
ويعتبر الكشف عن المقبرة رقم 63 بوادي الملوك، التي تقع أمام مقبرة توت عنخ أمون، أولى محطات الكشف عن أسرار التحنيط المصري القديم.
حيث وجد داخل المقبرة 63 التي كشفت عنها بعثة جامعة ممفيس الأميركية برئاسة الدكتور أوتو شادن – على ثمانية توابيت داخلها مواد التحنيط، التي استعملها المحنط المصري في تحنيط مومياء الملك توت عنخ أمون؛ حيث تأكد أن هذه المقبرة هي مجرد خبيئة لدفن بقايا تحنيط مومياء الفرعون الذهبي توت عنخ أمون.
ومن الغريب أن المحنط المصري القديم استعمل أساليب وطرق مختلفة في التحنيط ولم يلتزم بطريقة واحدة، حتى إنه من الصعب أن تجد مومياوتين متشابهتين تماما من حيث أسلوب التحنيط والمواد المستعملة فيه.
ولقد شاركت العام الماضي في اكتشاف خبيئة التوابيت في سقارة في البعثة المصرية بقيادة عالم الآثار المصرية الدكتور “زاهي حواس” وفريق العمل المصري وتم العثور على حوالي 57 بئر دفن، أحدها يحتوي على 54 تابوتا ملونا، كما اكتشفت البعثة أقنعة دفن خشبية وتماثيل جنائزية صغيرة تعرف باسم أوشابتي، وأواني فخارية، ولوحات ونماذج مصغرة من مراكب خشبية، بالإضافة إلى بردية طولها 4 أمتار بها نصوص من الفصل السابع عشر من كتاب الموتى، وجميعها تعود إلى الدولة الحديثة قبل حوالي 3000 عام.
وتم التعرف علي المزيد من علم التحنيط من خلال عمل سيتي سكان علي العديد من المومياوات والتعرف علي أمراض جديدة مثل الحمي الخنزيرية.