بقلم: كلودين كرمة
أصبحت أخشى تلاقى العيون لا لاتفحص أعماقى فبداخلى تساؤلات ، بالأمس كنت اريد توضيح لها ولكن مع تقدم العمر فضلت أن احتفظ بها دون إجابات ..
فى أعماق نفسي أحزان وأحزان تراكمات الزمان ولكنى أفضل أن لا يعبث بها احد .. و لازال عندى آمال وتطلعات وإن أدركت أنه لم يعد فى يدى آليات تحقيقها ولكنها كامنة في داخلى ولا أستطيع أن أمحيها من ذاكرتى ، ولكنها تبدو كحلم أشتاق إلى أن أعيش لحظاته ، ولم أفقد الرجاء ابدا وأقول لنفسي لعل فى يوم ما يجود على الزمان بما يبهج مهجتى !…
نعم أخشى تلاقى العيون لأ لا تكشف أعماقى امامهم ، فإنهم حقيقة لا يكترثون كثيرا ولكنهم يجاوبون بما يحلو لهم ، و هم ليسوا على دراية بما أحتاجه فعلا .. لا أحد يعلم كيف أفكر وماذا ابغى وما هى طموحاتى و رغباتى وقدراتى وما يجول فى خاطرى وما يحزننى وما يؤلمنى ولا حتى ما يفرحنى . ما حل بى قد حل ، وما ترك آثار جراحاته فعلاماته ظاهره على ملامحى محفورة على ثنايا وجهى يقرؤها من يرى ، ويعى معانيها من له حس مرهف .. يا ليتنى أقدر أن أمحيها وأصلح ما أفسده الإحباط وخيبة الأمل. يا ليتني أجد علاج يداوى حتى أستطيع رسم الابتسامة حتى أوارى أسرارى عن عيون الناس واحمى نفسى من نظراتهم الفضولية التى تكاد تقتلني وتفتك بى. لا يهم الآن بعد ان مضى الزمان ؛ لا ولن أكترث لشئ ، والسبب الحقيقى إنه ليس لدى الرغبة فى المقام الاول لإصلاح الأمور ، وفى المقام الثانى لم تعد لدى القدرة على السباحة عكس التيار .. فالأمواج عالية و مخيفة أصبح صوتها يثير الرعب بداخلى وانحناءتها تخفى الكثير من الغموض .. فلم أعد استمتع بالنظر إليها كالسابق ، كنت فى زمن ما أسخر منها مهما علت وأقول فى داخلى لتعلو كما تشاء فأنا فى مأمن لإنى وبكل بساطة لا أجعلها تصدمنى بل أتفادى ضربتها وقوتها بأن أغوص فى الأعماق إلى أن تمر ! وكنت أنظر إليها بنظرة المستهين وهى تقترب من الشط وقد تضاءلت بل و قد أصبحت لعبة بين ايادي الأطفال يلهون برغوتها .. وبسرعة ألتفت حتى أتفادى الضربة التالية ؛ وكان هكذا الاستمتاع بالحياة بتحقيق الانتصارات المتتالية والنجاحات والتغلب على العثرات والصعوبات .
ولأنى كففت عن البحث عن الحقيقة ولم ارغب بعد فى المواجهة ، ولا يثير إهتمامى أى من الأخبار و لا أتطلع إلى متابعة الأحداث ، وذلك لأنى فضلت أن أعيش فى سلام و هدوء وأصبح لدى الحكمة حتى أتعايش مع من هم مختلفون عنى ولا أدع أى من المشاعر أن تغلغل فى داخلى وتعشش فى أفكارى وتتسلط علي مهما كانت الأسباب و الدوافع.. وبذلك أفسح المجال لصفاء الذهن و استقرار المشاعر و سكينة النفس وحضور الذهن ..لأن استيعاب الأمور و احتوائها أمر ضرورى ولكن أن تنشر مفاسدها و تغم القلب وتظلم العقل فتضيع حياتنا هباء بين ألم وشجن وندم وحسرة فهذه هى اللعنة بعينها بأن نعيش وكأننا نقع تحت طائلة الأحزان فتتبلد مشاعرنا وننسى الفرحة وتغيب السعادة وتطمس ملامحنا فلا نعرف انفسنا وقد غابت الضحكات ولم يعد فى العيون بريق ، حتى اذ نظرنا إلى أنفسنا فى مرآة نحول اعيننا سريعا لأننا أصبحنا لا نرى أنفسنا بل نرى شخصية أخرى غريبة عنا لا ندرك فى الحقيقة ماهيتها .. فهى مختلفة لقد خطت فيها الحياة بقسوة ونال الشيب منها . فأشفق على نفسي وألاطفها وأحاول أن أحمى قلبى اذ لم يعد قادراً على سهام التقلبات بين صدق وخداع بين حب وكراهية بين إخلاص وخيانة ، إنه أصبح هش لا يقوى على تحمل الصدمات من بشر يتبدلون بين ليلة وضحاها.
ما فى قلبى هو ملك لى وليس لأحد الحق فى اقتحامه ، و ما يدور فى خاطرى هو سر من أسراري وليس مباح لكائن من كان ؛ وما يتحكم فى إحساسي هو فكرى أنا ولست تحت تأثير أى حدث أو شخص . فمن صدق اكشف له ومن لم يصدق فلن يعرف عنى إلا ما أريد أن أظهره له . نعم هناك ضغوط وضروريات لكنى مازلت حرة فى بعض الاختيارات إن لم يكن معظمهما وهنا تكمن القوة الحقيقة فى الدفاع السلمى عن النفس..