بقلم: سونيا الحداد
قراءة التاريخ بتمعن هو من أهم العلوم التي يتوجب الحفاظ عليها في المناهج المدرسية سواء من خلال الدراسات العلمية أو الأفلام الوثائقية التي تحترم نقل الحقائق ومسارها بكل مصداقية. أهميتها تكمن في الدور الذي تلعبه سواء على النطاق الشخصي حيث أنها تبلور فكر القارئ في تكوين رؤيته للحياة أم على الصعيد الوطني والدولي مما يؤثر على الخيارات والمناهج التعليمية والعلاقات المحلية والدولية لشعب ما أو دولة ما. يقال بأن من لا يعرف تاريخه لا يعرف مستقبله. من لا يعتبر من التاريخ لا مكان له على خارطة الأمم. لكن السؤال الأهم يكمن في معرفة مدى حرية الأفراد أو الدول في الاختيار بالرغم من إدراكهم التام للتاريخ وللحاضر أيضا.
في زمن التكنولوجيا والتواصل الافتراضي والفضائي، في زمن الروبوهات البشرية والنانوهات، في زمن الأبحاث العلمية حول السفر سنين ضوئية وعبر الزمن، لا يمكن لنا أن نتجاهل التاريخ أبدا. هذا التاريخ الذي مهد لحاضرنا ويبشرنا بمستقبلنا،هو الذي ينقذ نفوسنا لو تملكنا معرفته في أيام الضيق حيث لا مفر لنا سوي في المواجهة. يعلمنا هذا التاريخ كيف أنه منذ بدء البشرية تواجد القوي الذي يأكل الضعيف، الغازي الذي يحتل ويحكم بأمره، الأباطرة والسلاطين والملوك الذين حكموا واستبدوا وكأنهم ظل الإله على الأرض. جميعهم كانوا عبارة عن روبوهات مسيرة تقرر السلام والحرب، تنشر الإيمان أو الالحاد، الجهل أم المعرفة. تاريخ عبارة عن قصص شعوب عرفت كيف تتأقلم وتستمر تحت أي سماء، أي نير، أي جنون عظمة. كيف تحمل النور وسط الظلام مخلفة بصمتها يحملها التاريخ لنا شاهدا يلهمنا. هذا التاريخ الذي يعلمنا أن الإمبراطوريات لن تزول أبدا طالما هناك حياة، الحروب لن تهدأ أبدآ طالما هناك ثروات، جنون العظمة لن يختفي أبدآ طالما هناك شخصان يتقاسمان هذا الكون. إنها طبيعة الإنسان التي تحمل النور والظلام، الخير والشر في جيناتها. ازدواجية تتناسق وازدواجية الكون. جمالها وكمالها سر لا يعرفه سوى من عرف الاختيار بين ما لقيصر وما لله، وقيصر والله هنا مجازيا التعبير للتحدث عن الاختيار بين السعي المادي من خلال البطش بالآخر بغية استعباده والحصول علي أملاكه أو الروحي من خلال الوسائل السلمية، الفنية والتعليمية التي تنشر النور حيثما تحل. الاختيار الوحيد الذي نمتلكه والذي لا يمكن لأي كان أن يسلبنا إياه لكنه الاختيار الأصعب.
هذه الحقيقة الجوهرية عبرت التاريخ من خلال تعاليم حكماء تخطوا الزمان والمكان في معرفة الحياة ونفائسها، الإنسان ومعدنه…. نعم الحرية الوحيدة التي نمتلكها هي هذا الاختيار وكل شيء آخر هو ملك قيصر!