بقلم: تيماء الجيوش
تقتضي خطة العمل في أي مجال إن كان نسوياً اقتصادياً، سياسياً،قانونياً أو اجتماعياً تقتضي بأن يكون هناك التخطيط المسبق الذي يأخذ بالاعتبار بنوداً أساسية و ذات أهمية تُعدُّ بالمعنى العلمي إستراتيجية للبدء و منها نسبة النجاح و مواطن الضعف يلي ذلك المخاطر او ما يُعدُّ نجاح خطة العمل هذه او تلك و الفرص المتاحة لها.
يُشارُ لها اختصاراً بالانكليزية بتعبير SWAT. Success, weakness, threats and opportunities.
الإستراتيجية هي التي تنتج التغيير و تعكس الرؤيا و الفهم للعوامل المؤثرة الداخلية و الخارجية و مدى تفاعلها مع تحقيق الأهداف الذكية المحددة و الفئات التي تتوجه لها . الأهم هو فلسفة واضع هذه الإستراتيجية و كيف يحافظ من خلالها على قيمٍ و مبادئ معينة وواقعية بالمطلق أي قابلة للتحقيق و قابلة للقياس و ليست تحمل في ثناياها طوباوية ما أو توقعات لا تستند الى أسسٍ علمية.
عند تعدد الأطراف المختلفة و لهم بذات الوقت إستراتيجية واحدة وأهداف واحدة , يبرز التنسيق او التعاون العملي كضرورة مبدئية. و من البديهي أن هناك طرق حديثة للتنسيق تتفق وما تملي عليه إستراتيجية و فلسفة العمل ، من حيث مبادئه و أهدافه و قد تختلف قيمياً و زمنياً عما سبقها من طرق لكن الجوهر يبقى واحداً. على أية حال ليس هناك حلاً سحرياً او حلاً كاملاً مكتملاً بالمُطلق ، بل الأمر يعتمد على مراجعة كل الوثائق و الابحاث و المعلومات السابقة مع تحليلٍ علمي للمضمون ، للتجارب ، التحليل المقارن …الخ. و لا أحد أيضاً يستطيع ان يعطي نموذجاً عالمياً ناجحاً عن التنسيق في تنفيذ الإستراتيجيات و ذلك لسببٍ بسيط هو تفاعلها مع محيطها من ناحية و من ناحية اخرى خضوعها للمراقبة و التقييم المستمرين.
عند السؤال لن يكون الامر مفاجئاً إن تم التأكيد من قبل الأفراد المنخرطين في تنفيذ الإستراتيجيات و التنسيق أن الثقة أولاً التي تُلمس في العمل هي أهم مفاتيح النجاح. و من ثم ثانياً الالتزام بالاهداف و الاليات و تقديم المعلومات و كل ما يستدعيه من تطوير و تعزيز العلاقات عبر الادوات و الافراد و المنصات المتغيرة كماً و نوعاً باستمرار و تفاعلها المتأصل مع محيطها اليومي بكل تفاصيله. إذاً هما باختصار الثقة و الإلتزام.
والعمل النسوي الجذري ليس استثناءً فهو يحتاج الى التنسيق، يحتاج الثقة، لأنها بالغة الاهمية لأحد أبعاد العمل النسوي ألا و لعمل البحثي الذي امتد و بكثافة ليشمل تحليل البنى الثقافية وتغييرها باعتبارها من العوامل المباشرة التي ساهمت في التمييز ضد المرأة و دفعها جانباً و بشكلٍ متعمد بعيداً عن الشراكة وصنع القرار على صُعدٍ مختلفة.
و لا تُجانبْ الحقيقة في تحليل العمل النسوي حين يُعدُّ المحافظة على زخم العمل كماً و نوعاً من التحديات الدائمة لا سيما أن خاصيته هنا هو التغيير الثقافي-المجتمعي و إقامة المجتمعات النسوية التي لا يمكن بأية حال أن تكون أو توصف بالعمل المؤقت أو الظرفي ، بل هو بناء ثقافة كاملة تقوم على احترام المرأة من حيث الحقوق و المساواة تقوم بالتغيير الجذري على صُعدٍ مختلفةٍ تراتبية والذي يتسق و الكرامة الإنسانية. و هذا لن يتحقق في ليلةٍ و ضحاها حتى في البلدان التي سارت أشواطاً بعيدة من حيث احترام معايير حقوق الانسان و بناء المجتمعات النسوية ، فلا زالت مسير هذه المجتمعات غير مكتملة ، لأنه مرة اخرى هو عملية مستمرة و ليست ظرفية مؤقتة ،عملية تتفاعل مع المحيط الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي دون ارتكاساتٍ الى الخلف. لذلك اليوم و أكثر من أي وقتٍ مضى تحتاج الحركة النسوية العربية التنسيق كأولوية . يُضافُ الى الأسباب الموجبة في الدعوة للتنسيق ما امتاز به العقدان الماضيان من صورةٍ معقدة مُحمّلةً بمتغيرات متعددة في عددٍ من الاقطار العربية كان منها الثورات و الحروب الاهلية و صعود الجماعات الراديكالية مثل داعش و ما شابهها و التي أعادت دون حياء أسواق النخاسة و جعلت من المرأة سلعة و لكلٍ لها سعرها كما حدث في العراق و سوريا ضاربةً بعرض الحائط الحقوق و الحريات في عودةٍ غير مسبوقة الى ممارسات القرون الوسطى. يقابل هذا الجانب المظلم التغييرالسياسي و الاجتماعي -الاقتصادي و القانوني الذي حدث في أقطارٍ اخرى و بما يعنيه ذلك من احترامٍ لدور القانون الذي هو من شروط ديمقراطية الدول و المجتمعات فكان المثال الأقرب زمنياً و الاوضح عن هذا التغيير في ظلٍ من الشراكة السياسية هو في تونس و السودان حيث تتبلور حركة تشريعية اعتمدت معايير حقوق الانسان العالمية في مفاصل عدة من اهمها حقوق المرأة.
فحققت المرأة السودانية نصراً هاماً لكرامتها مؤخراً بتجريم عادة ختان الإناث و من ثم انتزاع حق السفر مع أولادها وهذا بحق تطبيقاً عملياً لحق المساواة و حق الحركة وهما حقين اساسيين من حقوق الانسان. هذا لم يأتي من فراغ بل جاء نتيجةً لعملٍ منظم و من تنسيقٍ بين اللجان والاحزاب المختلفة، من النقاش و العمل معاً للوصول الى الدولة المدنية و احترام حقوق الإنسان اللبنة الاساسية في المجتمعات الديمقراطية مما أعطى زخماً نوعياً لديناميكية العمل النسوي. خلاصة القول نجاح أية استراتيجية يعتمدُ على التنسيق .
يقيناً أنه قد آن الاوان لتنسيق أصيل و حقيقي نسوي يُحرر المرأة العربية من كل تمييزٍ و اضطهاد . يعلم العديد من الباحثين في النسوية العربية وأدوارها أن هناك عدداً من المحاولات او المنظمات تبنت التنسيق . ما نحتاجه الآن و حقيقةً في هذه الصورة المعقدة سياسياً ، ثقافياً، اقتصادياً، إجتماعياً إستراتيجية تنسيق مختلفة نوعاً و كماً ، معاصرة تؤسس بحق لحقبةٍ نسوية مختلفة.