قصة بقلم : نعمة الله رياض
آريــا صبية فائقة الجمال ، بعينيها العسليتين وشعرها الحريري الأسود المضفر في ضفيرتين يتقافزان علي كتفيها وهي تركب الأرجوحه في فناء منزلها بقرية من قري جبل سنجار بشمال العراق .. لم تتعدي الرابعة عشر من عمرها عندما سمعت فجأة دوي إطلاق الرصاص في أرجاء قريتها ، التي كان يخيم عليها الهدوء .. شاهدت أمها تجري مسرعة نحوها وهي مذعورة وتنزلها من الارجوحة وتسحبها بعنف من يدها نحو بوابة المنزل حيث ينتظرهما والدها وشقيقها في سيارة ..
إنطلقت السيارة مسرعه علي الطريق في إتجاه القري الواقعة علي قمة جبل سنجار، كان الطريق يعج بالسيارات الهاربة مع مختلف وسائل النقل الأخري وفيما بينهم كان أهل البلدة المترجلين يهرولون في فزع صاعدين إلي قمة الجبل..
وفجأه ظهرت سيارات جيب سوداء يركبها رجال بملابس سوداء ويرفعون أيضا أعلاماً سوداء ، قطعوا الطريق أمام مجموعة كبيرة من الاهالي الهاربين من بينها سيارة آريا وأسرتها ، كانوا يطلقوا الرصاص في الهواء لإرهاب المحاصرين، ولم يترددوا في قتل كل من حاول الهرب حتي من النساء أو الأطفال!!
وسط صراخ الأطفال وعويل النساء ،أطلقوا سراح الرجال والنساء الطاعنين في السن ، من بينهم والد آريا ، ثم فصلوا الرجال عن النساء وأجبروا عددا من الشباب والرجال القادرين علي القتال علي الإصطفاف والركوع علي الأرض ، وأمام الجميع ، ووسط حالة من الهلع والصراخ والنحيب ، تم حصدهم بالبنادق الآلية ، ومن ضمنهم شقيق آريا .. ولتوفير الذخيرة ، دفنوا باقي الرجال أحياء !! .. تم فصل الفتيات والنساء بين أعمار العاشرة والثلاثون عاما عن باقي النساء وأركبوهن سيارات نقل وإتجهوا بهن نحو مدينة الرقة وكان من بينهن الصبية آريا ليتم بيعهن في سوق السبايا ..
كان ذلك في عام 2014 ، عندما إنسحبت قوات البشمرجة الكردية ، دون سبب معلن من بلدة سنجار، التي كان يحميها ، ويسكنها الأيزيديين ، فسيطر عليها مسلحي داعش ، دون قتال حقيقي ، وتم إختطاف 5000 شخص وقتل 3000 أخرين وتعرضت 1500 إمرأة للإغتصاب الجماعي ، بيع منهن 1000 في السوق كسبايا..
لمن لا يعرف داعش ، فهو تنظبم متطرف إرهابي يؤمن بالفكر السلفي الجهادي ، ويهدف إلي إعادة الخلافة الإسلامية ، ويشجع علي العنف بإسم الدين ، وكان فى أوج قوتة عام 2014 ، عندما سيطر علي مساحات شاسعة من سوريا والعراق ، وكان له تواجد في جنوب اليمن وليبيا وسيناء والصومال ونيجريا وباكستان ، ويطبق الحدود في الشريعة مع استخدام واسع لعقوبة الإعدام ، ومنها إعدام الأسري من المدنين والعسكرين بالرصاص وقطع الرؤوس والإغراق في حامض النيتريك والإلقاء من المباني العالية والحرق والرجم بالحجارة والصلب، ومن الأمثلة المشهورة والتي صورها داعش ، إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا بعد أن سقطت طائرته لخلل فني في منطقة نفوذه ، كذلك قطع رؤوس 21 مصريا قبطيا يعملون في ليبيا لرفضهم تغيير ديانتهم ..وإضطهاد داعش موجه للاقليات من الشيعة والسريان والأرمن المسيحيين والدروز والأزيدين ..
نعود لما حدث للفتاه الأزيدية آريا التي أسرت وسيقت كسبية ضمن مجموعة من الأزيديات حيث تم عرضها في السوق كسلعة وتم بيعها كجارية لقائد وحدة قتالية بداعش ، إصطحبها لمنزله وأدخلها غرفه زوجته ، ثم غادر الغرفة ليعود في المساء ، تناول طعام العشاء ، وبعد أن فرغ من الطعام دعا زوجته وأريا لتناول العشاء ، جلست آريا علي الأرض مع زوجته وإمتنعت عن الأكل، نظر إليها بحدة وضربها علي وجهها فأجهشت بالبكاء ، لم يمهلها لحظة لتسترد أنفاسها وهجم عليها وجردها من ملابسها وأخذ يتحسس بنهم جسدها ثم إغتصبها مثل ذئب متوحش أمام زوجته !! إغتال طفولتها البريئة ومزق روحها ومحا حلمها أن تبقي شريفة أبية في مجتمعها الإيازيدي المحافظ ، لن يمحي عارها لسنين وسنين ..
إستطاعت آريا الهروب من منزل القائد الذي إشتراها ، وعبرت الحدود إلي تركيا بمساعدة فريق من المتطوعين ، حيث خضعت لعلاج تأهيلي..
إستغل مقاتلي داعش مواقع التواصل الإجتماعي في إستقطاب الشباب والفتيات القاصرات في أوروبا وأمريكا للإنضمام لصفوفه بطريقة ممنهجة، وكان يعرض صورا» لمقاتلين أشداء يرتدون الزي الأسود ويحملون البنادق، ويعدهم بالعزة والكرامة ومعرفة الله الحق ، حتي إن أكثر من 550 إمرأة إلتحقن بصفوف داعش بكامل إرادتهن..
ليونورا ليمكه ، مراهقة المانيه من قرية في مقاطعة سكسونيا ، عمرها 15 سنة ، إنفصل والدها عن والدتها وتزوج من إمرأة أخري ، فشعرت بالإهمال ، ولجأت إلي عالم الشبكة العنكبوتية وإستهواها شباب داعش وقوتهم ، فقررت أن تخوض مغامرة الإنضمام إليهم ، وعبرت حدود دولة الخلافة مع سوريا ، حيث رحب بها جهاد وهو ضابط في مخابرات داعش من أصل الماني ، وطلب منها الزواج فيما بعد ، إنتقلا إلي شقة بمدينة الرقة ، أنجبت منه طفلتين ماريا وحبيبه ، لكن توترت علاقتهما عندما إشتري فتاه أيزيدية وجلبها لتعيش معهما في نفس الشقة، سئمت من هذا الوضع ، وإتصلت بوالدها للعودة إلي المانيا..إتفق والدها مع مهربين وبعد عدة محاولات نجح في تهريبها إلي تركيا ومنها نقلت إلي مركز تأهيلي في ألمانيا . أدركت جسامة الخطأ الذي وقعت فيه طوال أربع سنين، وشعرت بالندم عندما اكتشفت حقيقتهم وبشاعة جرائمهم . قبضت قوات التحالف علي زوجها جهاد بتهمة تعذيب السجناء وأودع في السجن .
بدأت قوة داعش في الإنحدار بعد عدة معارك منها تحرير جبل سنجار ، وكانت ذروتها معركة تحرير مدينة الموصل علي يد الجيش العراقي وقوات التحالف عام 2017، ومقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عام 2019 ..
لم تنتهي قصة داعش ، وإن إنتهي داعش ، فسيظهر دواعش أخري ، كرؤؤس الشيطان تقطع رأس لتنبت عشرة رؤوس ، طالما أن هذا الفكر الإرهابي والتفسيرات الشاذة وتكفير وإستحلال بغيض للآخر، يعشش في عقول الشباب ويلقن للأطفال في المدارس والمنازل ، وليس أمام العالم سوي أن يدافع عن أسس الحضارة التي بناها ، وضحي بالدماء من أجل ترسيخها.. فالظلام لا يقهر إلا بالنور ، والظلم لا يرفع إلا بالحق .