بقلم: كلودين كرمة
فى صخب الحياة نمضى جميعنا..من حال إلى حال..ومن مكان إلى مكان..لا ندرى لماذا ولا نحسب خطواتنا ولا ندرك مشاعرنا ؛ فقط تقودنا رغباتنا وتوجهاتنا ودوافعنا خلف أحلامنا فنلهث ورائها وتنقطع انفاسنا وكأننا نريد أن نسبق الزمن ونسابق الاحداث حتى نصل إلى غايتنا قبل أن تنتهى بنا أيامنا…ومن كثرة انشغالنا نتناسى من حولنا ونتجاهل من يهتم لأمرنا وننسى حتى أنفسنا. اعتقادا منا أن الوقوف و لو للحظة لاستيعاب ما يدور من حولنا أو لإعادة ترتيب اولوياتنا من شأنه أن يعرقل مسيرتنا نحو تحقيق أهدافنا.
ثم ماذا…تظل تدور عجلة الأيام وتدور ونحن فى سعى مستمر نحو هدفنا الاساسى ونتطلع لانتهاز الفرص التى يمكن أن تجذب انتظارنا ببريقها أثناء رحلتنا فنعرج أحيانا يمينا أو يسارا ثم نأخذ معنا كل أو جزء مما توقفنا لأجله ونعود بمكسب أو خسارة حتى نمضى فى الطريق الرئيسى ونحمل معنا الأفكار والخبرات إيجابية أو سلبية ونأخذ منها المبادئ الخاصة بنا والأحكام الصحيحة من وجهة نظرنا..فتصبح منهج لنا فى الحياة بل وتكون غير مطروحة للجدال أو التغير وهذا ما نسميه بالخبرات المكتسبة والمعرفة العملية التى نكتسبها من التعامل المباشر مع مختلف الثقافات والبيئات والتحديات الحياتية وما اكثرها…
وتستمر الحياة بمباهجها وأحزانها من حال الى حال ..فالآن نضحك وبعد قليل نبكى..نشعر بالثقة التامة والامان وبعدها نشعر بالخوف و نهاب الخيانة…الان نشعر بجمال الحياة وحب الاقارب والأصدقاء وبعدها ينقلب الحال ونشعر بقبح الحياة وقسوتها وغدر الأحباء ونظل على هذا الحال وينتهى بنا الامر بأن تتبلد مشاعرنا ..فلا نشعر بدفئها ولا نهتم لافتقادها.
ويصبح القريب كالغريب والحبيب كالعدو لا هذا يبهجنا ولا الاخر يحزننا..ونسقط فى دوامة قاسية تفقدنا حتى الرغبة فى تحقيق السعادة لأننا افتقدنا الثقة والحب بمعناهما الحقيقي واقصد هذا النوع من الحب الذى لا تفرضه المجاملة او العشرة ا و المبادئ او المصلحة.
وهنا لا بد ان نتوقف ونتسائل :
هل انا انسان آلى او مخلوق إلهى؟!
هل الهدف من وجودى على هذه الارض ان اسير فى طريق واحد تحد نظرى من اليمين واليسار الجبال العالية ولا يسمح لأى فكر ان يطرق الابواب او ان اعدل فى خطة المسير حسب متطلبات الحياة وما يفرضه التحديث فى المعطيات…هل انا مبرمج على نهج معين اخطو الخطوة تلو الاخرى دون تمييز ودون اعادة الحسابات؟
وتقيم المكسب والخسارة..هل المطلوب منى ان اتجاهل رغباتى الخاصة ومشاعرى وأجرم التعاطف مع الاحزان والأفراح اعتقادا ان هذا التجاوب هو من الضعف يمكن له ن يقيدنى ويمنعنى من تحقيق النجاح و اعتلاء ارقى المراكز.
لا وألف لا فانا وأنت يجب ان نرفض بشدة هذه الحياة التى لا طعم لها ولا معنى..فإننى وبلا شك مخلوق الهى ..فخالقى حى ويتعامل مع خليقته يرحمهم تارة ويؤدبهم تارة اخري فانه يتفاعل مع الظروف ويستجيب للداعى ويرد الظلم ويتأنى ويصبر لأنه هو الخالق القوى وكل خليقته تحيا وتتحرك وتوجد بإذنه وحده…وبما ان هذا الاله الحكيم و المتحكم هو الهى وجابلى فيجب ان اتشبه بصافته الحميدة على قدر طاقتى فأكون رحيما ومتعاطفا وأتمتع بالقوة المحلاة بالحكمة .. فلا اكون طاغيا ظالما متغطرسا فليست هذه الصورة التى خلقنى الرب عليها..
ان اكون مخلوق ذو خلق حميدة وصفات سامية و عقل مستنير بالعلم وقلب يفيض بالحب ونفس لا تضطلع إلا لما فيه الخير
واعين تثبت انظارها على تحقيق الآمال الرفيعة وأذن لا تسعى إلا لسماع كل ما هو للبنيان ولسان لا ينطق إلا بجميل الكلمات ولا يكف عن الاعتراف بالجميل..وان اكون ذو مركز مرموق افيد نفسي ومن حولى واسعى الى نشر الافكار البناءة التى تساهم فى الحفاظ على القيم والمبادئ التى بدونها ينهار كيان المجتمع و تتفكك وحدته و تتحطم معها الكثير من المشاعر الجميلة الصادقة التى بدونها يتحول عالمنا الى غابة البقاء فيها للأقوى وليس للأصلح ويحل قانون القوة بدلا من الرحمة والمودة ويفضل كل “انسان”- إن جاز أن نسميه بعد ان ضل وصار على هذا النحو- مصلحته حتى لو التجأ الى اساليب مخزية تحط من قدره وتسول له نفسه ان يظلم ويقسو ويغير الحقائق لصالحه.
فيجب علينا ان ندرك قبل ان يدركنا الوقت ان اهم ما فى الدنيا ان نتمتع بجمالها الكامن فى قلوب المحبين والأوفياء وان كنا ينبغى ان نتوحد للمجابهة فلتكن لمحاربة الكراهية التى هى اساس لكل الشرور لان “الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات” و من الثمار تعرف الشجرة فلنبتعد عن الكذب الذى هو اول مظاهر الضعف وابرز علامات الانهزام ولنتمسك بالصدق ونساند الحق “لنحب ما لغيرنا ما نحبه لأنفسنا” هذا هو اول الطريق لحياة هادئة سعيدة يكون هدفها الوحيد هو الحفاظ على ما وهبنا الله من نعم فى هذه الدنيا فنكون من الشاكرين..
اذا فلنهزم الكره بالحب وليس بمزيد من الحقد.. ولنعالج الحقد بالكثير من العطاء …ولنغطى الوجه القبيح للغل بغطاء من الاهتمام الصادق.. فكل منا يجب ان يكون بمثابة الطبيب الذى سهر الليالى و وجد مجدا ملتزما حتى يذهب الالام عن مرضاه ولا يسعد ولا يهدأ له بال ولا يشعر بقيمة ما درسه إلا اذا حقق منهجه، الهدف منه هو ان يزيل والى الابد هذا الالم وان تعلو البسمة على الوجوه وتسعد النفوس التى عانت قبلا من شدة التوتر والخوف لأنها كانت تجهل مصيرها… ولكن ذو الفكر الرشيد يرسم لها طريقا افضل لحياة افضل..