تناول مراسل راديو كندا في البرلمان الفدرالي فيليب فينسان فوازي عمل الصحفيين، لاسيما المراسلين البرلمانيين، في زمن جائحة “كوفيد – 19” الذي يزاول فيه النواب عملهم عن بعد على نطاق واسع.
يشير فوازي بدايةً إلى أنّ البرلمان الفدرالي في أوتاوا أعاد النظر في طريقة عمله للتأقلم مع الواقع الجديد الذي فرضته الجائحة: تصويتٌ على الإنترنت، وأعمالٌ برلمانية وفق صيغة هجينة تجمع بين الحضور الشخصي والحضور الافتراضي، ولجانٌ تعمل بشكل افتراضي.
ويرى المراسل البرلماني أنّ هذا العمل الافتراضي، على الإنترنت، يجنّب النواب المساءلة الفعلية من قبل الصحفيين، المساءلة التي كانت سائدة قبل حلول الجائحة.
وهذا التحوّل قلَب العلاقة بين الإعلام والنواب الذين باتوا قادرين على الإفلات من اللقاءات غير المقرَّرة سلفاً التي كانت تحصل مع الصحفيين في أروقة البرلمان.
ويتذكر فوازي يوم الثالث عشر من آذار (مارس) من العام الماضي عندما علّق مجلس العموم أعماله مدة شهر ونيف فيما كانت الموجة الأولى من الجائحة تضرب البلاد.
في تلك الفترة اعتقد الكثيرون أنّها ستكون مرحلة مؤقتة من بضعة أسابيع ريثما تنتهي الجائحة.
لكنّ سنة كاملة مرّت، ومجلس العموم الذي يعجّ عادة بالسياسيين والصحفيين فارغٌ. بات الصمت والفراغ السمة الجديدة.
“هذا العمل المتمثّل بالمحاسبة، لم نعد قادرين على القيام به”، تقول الصحفية والمراسلة البرلمانية هيلين بوزيتّي التي تغطي أخبار السياسة الفدرالية منذ أكثر من عشرين عاماً.
رئيس الحكومة الفدرالية جوستان ترودو متحدثاً في جلسة في مجلس العموم منتصف عام 2018 (حقوق الصورة اراديو كندا)
العمل في أروقة البرلمان عنصر أساسي في مهام المراسلين البرلمانيين. ففي الأروقة يعترضون النواب الذين هم في أوضاع حرجة والوزراء الذين يضطلعون بملفات ساخنة ليطرحوا عليهم الأسئلة الصعبة أو ليسألوهم عن أمور تهمّ المواطنين في حياتهم اليومية.
لكنّ الجائحة قيّدت بنسبة كبيرة هذا الجزء من عمل المراسلين البرلمانيين. “جزء كبير من عمل الصحفيين هو طرح الأسئلة والتواجد هناك لإجبار السياسيين على الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الناس”، تقول بوزيتّي.
وتعترف بوزيتّي بأنّ رئيس الحكومة الفدرالية جوستان ترودو متواجد في الإعلام منذ بداية الجائحة أكثر من أيّ وقت سابق. لكنها تلفت إلى أنّ الحياة الديمقراطية لا تُختصر بنشاط رئيس الحكومة، فزعماء أحزاب المعارضة والنواب مسؤولون أمام ناخبيهم وأمام جميع الكنديين.
“لقد فقدنا الكثير من إمكانية الوصول إلى هؤلاء الناس”، تقول بوزيتّي بأسف في إشارةٍ إلى زعماء المعارضة وسائر النواب.
النائبة الليبرالية في دائرة “سان لوران” في مونتريال إيمانويلا لامبروبولوس (Graham Hughes / CP)
وبالرغم من أنّ التكنولوجيا تتيح للصحفيين الوصول إلى النواب أينما كانوا، يجب أن يكون هؤلاء مستعدين للتحدث إلى الإعلام عندما يعملون عن بُعد، تضيف بوزيتّي، “والمرات الوحيدة التي يقبلون فيها (بالتحدث) هي عندما تكون لديهم أخبار جيدة يرغبون بنشرها”.
وهذا الوضع يُعتبر مكسباً هاماً للسياسيين، حسب المستشار الاستراتيجي السابق في حزب المحافظين يان بلانت، فالنواب باتوا قادرين، في ظلّ العمل عن بُعد، على الابتعاد عن الأضواء ريثما تمرّ عاصفة سياسية غير مفيدة لصورتهم.
ويذكّر بلانت في هذا المجال بأنه لم يكن بالإمكان الحصول على مقابلة صحفية من النائبة الليبرالية إيمانويلا لامبروبولوس بعد كلامها المثير للجدل في اللجنة البرلمانية الدائمة حول اللغتيْن الرسميتيْن.
يُذكر أنّ لامبروبولوس التي تمثّل في مجلس العموم دائرة “سان لوران” في مونتريال شكّكت في الخريف الفائت في صحة معلومات عن تراجع الفرنسية في مدينتها، كبرى مدن مقاطعة كيبيك. وهذا ما جعل أحزاب المعارضة في المجلس تطالب باستقالتها من عضوية اللجنة. واستقالت بالفعل بعد أن تراجعت عن كلامها لينسجم موقفها مع موقف حكومتها الليبرالية التي أقرت بتراجع الفرنسية في كيبيك وسائر كندا.
ويرى بلانت أنه لو كنا “في وضع طبيعي”، لا يعمل فيه النواب عن بُعد بسبب جائحة عالمية، “لكان أصعب عليها (على لامبروبولوس) تجنب الأسئلة في الأيام اللاحقة لأنّ الصحفيين كانوا اعترضوها في مجلس العموم قبل إحدى فترات الأسئلة أو في لجنة برلمانية أو في اجتماع لنواب حزبها”.
وكما هي الحال في قطاعات أُخرى، لا تزال العودة إلى حياة عادية في البرلمان تشبه حياة ما قبل الجائحة أمراً غير مؤكَّد. ماذا سيبقى من العادات الجديدة بعد زوال الجائحة؟ هل الوصول إلى النواب سيُتاح مجدداً بالسهولة نفسها؟
بيار دوشين، الوزير الأسبق في حكومة كيبيك والذي كان قبل ذلك مراسلاً سياسياً لراديو كندا في كيبيك العاصمة، متفائل، إذ يرى أنّ “المؤسسات تبقى حيث هي” وأنّ عادات العمل والوصول إلى النواب والسياسيين هي أمور ستُستعاد مع الوقت.
“يجب الوثوق في المؤسسات”، يرى دوشين الذي يدرّس حالياً مادة الصحافة. ولكن أيضاً على وسائل الإعلام التي كانت في أزمة حتى قبل بداية الجائحة أن تعمل بكدّ لاستعادة مكانتها وثقة جمهورها، يضيف دوشين.
(راديو كندا / راديو كندا الدولي)