الدكتور عبد العليم محمود
العين والشيخوخة
أظهر شكوى للمريض المسن هو الصداع . وهذا ناتج من الأمراض التي تصيبه وخاصة الجلوكوما.
ما معنى الشيخوخة؟
الشيخوخة كلمة لها هيبة وتعنى أوصافاً كثيرة كلمة انتظار .. ويمكن أن يطلق عليها مثلاً فترة الرزانة ذفترة الرجاحة ، أو قل رحلة الحكمة .. والشيخوخة قد تبدأ في سن الشباب، بمعنى أن هناك من هم في عمر الثلاثين ربيعاً لكنهم يحملون أثقال الدنيا، وينظرون للحياة بمنظار أسود.. بينما هناك شيوخ في سن السبعين لكنهم يفيضون شباباً وينظرون للحياة بمنظار أسود.. بينما هناك شيوخ ي سن السبعين لكنهم يفيضون شبابا وحيوية.. فالبسمة لا تفارق شفاههم، والأمل يفوح من كل كلمة يتكلمونها.
وهناك مراحل في العمر نجد فيها الجسم يحدث له تغيير ويجب أن نضع في الاعتبار أن مرحلة النضوج تكون كاملة في سن الأربعين وأن هناك تطورات تحدث بعد ذلك مثل التغيرات التي تحدث في العين، وأهمها المياه البيضاء أو الكتاركتا.
لماذا يضعف النظر كلما تقدم الإنسان في العمر؟
تختلف درجة تأثر حدة الإبصار بالتقدم في العمر من إنسان لآخر، فالبعض يظل يتمتع بحدة عالية في الإبصار حتى سن مائة عام، والبعض الآخر قد يتأثر بتقدم العمر في صور مختلفة، فقد يصاب بعتامة تدريجية في عدسة العين حتى تعتم تماما، فيم يعرف بــ”الكتاراكتا” أو المياه البيضاء، أو يصاب بارتفاع تدريجي في ضغط العين يؤدي إلى مرض الجلوكوما أو المياه الزرقاء، أو يتعرض لضمور في مركز الإبصار بالشبكية.
ما هي المياه البيضاء أو الكتاركتا؟
هي عتامة تحدث في عدسة العين، ووطيفة هذه العدسة تجميع الأشعة المنبعثة من الجسم المراد رؤيته، لكي تسقط على الشبكية وهي الجزء الحساس من العين.. فلو اعتمت هذه العدسة فالأشعة الساقطة من الجسم لا تمر .. وبالتالي فلن تحدث الرؤية.. ومن المتعارف عليه أن عتامة العدسة لا تحدث فجأة، بل تأخذ شهوراً عديدة أو سنين قبل أن تجمد العدسة ذاتها أو تستوي المياه البيضاءء كما يقول العامة .. ومن اهم الأسباب لفقد النظر أو للعمى المؤقت هي الكتاركتا .. فهي فقد مؤقت للنظر دون ألم .. وقديماً كان يطلب من المريض ان ينتظر حتى تجمد هذه المياه ولكن مع التقدم التكنولوجي أصبح ينصح للمريض بإجراء العملية في أي وقت يشاء، ومتى توافر هناك سبب لإجرائها.
ما هي أنواع المياه البيضاء وأسبابها؟
والمياه البيضاء غير مقصورة على عمر معين .. فقد تحدث في الأطفال وتسمى حينئذ بالكتاركتا الخلفية .. أو تحدث نتيجة ارتطام العين بجسم صلب، وتسمى بالكتاراكتا الإصابية، أو كمضاعفة لمرض السكر في الدم، أو عند التعرض لأشعة معينة، وتسمى بالكتاركتا المضاعفة، أو نتيجة لقصر النظر الشديد أو غيره .. كما أنها ليست مقصورة على جنس دون آخر، وهي تحدث نتيجة التغير في التركيب الكيميائي للعدسة .. وحتى الآن لم يعرف السبب الأساسي في هذا التغيير، ولكنها نظريات كثيرة والنتيجة تغير في عدسة العين، ويؤدي بالتالي لعتامة تبدأ في الانتشار تدريجيا، حتى تصبح كاملة في النهاية.. ومع كل التقدم في عتامة العدسة يحدث تأخر في قوة الإبصار .. لذا ينصح لكل شخص أن يذهب إلى الأخصائي لفحص قاع العين كل عدة أشهر، لأن المياه البيضاء قد تكتشف فجأة في الكشف الدوري على العين، أو عند عمل كشف نظارة، فالوقاية خير من العلاج.
وما هي أعراض المياه البيضاء؟
قد تظهر في العين نقطة سوداء ثابتة لا تتحرك، وقد يظن الشخص أنها الذبابة الطائرة.. ويضطر لفرك عينيه أملا في ذهابها، لكنها تظل ثابتة، ثم يمسح زجاج النظارة عدة مرات، دون فائدة.. وأخيراً يلجأ للطبيب الذي يصارحه ببداية الإصابة بالمياه البيضاء في العين.. ومن الممكن عدم ملاحظة هذه النقط السوداء في مجال الإبصار، فق تتخطاها لمرحلة أخرى، حيث يلاحظ المريض وجود غشاوة على العين كما لو كان هناك قماش شبه شفاف أو ستارة خفيفة تحجب الرؤية أمامه .. وقد يلاحظ المحيطون تلون حدقة عينه .. وربما يضطر بين وقت وآخر لتغيير النظارة الطبية دون فائدة.
ويختلف تقبل الناس لوجود المياه البيضاء .. فهناك المريض الذي ينزعج لمجرد فحص قاع عينه، ويتوجس من كشف ما بالقاع من أشياء قد تكون مقلقة.. ويسأل الطبيب عن نتيجة الكشف متعجلا مخافة إصابته بشئ خطير.. وهناك بعض الأشخاص الذين ينظرون إلى أي تغيير على أنه شئ طبيعي .. ومن ثم لا يكبدون انفسهم أي قلق في تقبل هذا الوضع الجديد .. إذن هناك نوعان من المرضى.. نوع ينزعج إيما انزعاج لوجود المياه البيضاء، وذلك لأنها تعوقهم عن العمل، ونوع آخر ينتظر حتى تجمد هذه المياه .. ومن ثم يأتي الوقت لمناسب لإجرائها .. وللنوع الأول ننصح بأنه لا داعي للتوتر إطلاقاً.. فالتخلص منها سهل وفي أي وقت.
فائدة فحص قاع العين المتكرر قد يسأل الكثير لماذا يصر الطبيب على فحص قاع العين كل عدة أشهر.. ألا يكفي نظرة إلى العين وقياس النظر، ونرد على هؤلاء بأن فحص قاع العين له عدة أهداف.
أولها: التحقق من تقدم هذه العتامة.
وثانياً: ملاحظة قاع العين نفسه، لا سيما إذا كانت المياه البيضاء نتيجة مضاعفات مرض السكر في الدم .. ومن ثم هناك تغيرات حتمية تحدث ففي الشبكية، وعلى الطبيب معرفتها ومصارحة مريضه بذلك .. حيث أنها قد تزال هذه المياه البيضاء بعد نضجها لكن المريض لا يرى بعد ذلك .. وهذا ناتج بالتالي من تغيرات قاع العين من ارتشاحات ناتجة عن مضاعفات السكر على شبكية العين.
مما يدعونا للتأكد من سلامة قاع العين قبل إجراء عملية استخراج الكتاركتا، حرصاً على صحة وراحة المريض، ويؤكد ذلك أن المياه البيضاء هي عتامة في مجرى الأشعة الواصلة من الجسم المرئي قبل وصولها إلى الشبكية.. فإزالة هذه العتامة هي الأساس في الرؤية واستعواضها بعد ذلك بعدسة أخرى داخلها.
ما هي أبحاث ما قبل العملية؟
قديماً كنا نقول أنه بعد التأكد من أن المياه البيضاء قد جمدت، وأصبحت مهيأة لإجراء الجراحة ، ولكنني أؤكد الآن أنه متى اقتنع المريض بإجرائها فوجب فحص قاع العين .. وكذلك التأكد من سلامة المريض .. وأنه لا يعاني من ارتفاع في نسبة السكر في الدم .. وأن ضغط الدم في حدود الطبيعي، كما لا توجد بؤر صديدية سواء في الأسنان، أو في الأنف او الأذن أو الحلق.
ما هي خطوات العملية؟
لا تستغرق العملية عادة أكثر من نصف ساعة، وتتم بعمل فتحة صغيرة عند التقاء القرنية بالصلبة، أي البياض والسواد.. وبعدها تستخرج العدسة المصابة.. وهنا تختلف الطرق .. فهناك الطريقة المعتادة بدفع العدسة من أسفل لإعلى أو باستخدام شفاط خاص يمسك بالعدسة مثل شفاط الجنين.. كما أن هناك الطريقة الأحدث وهي بالتبريد “الفريون “ أما إذا كانت العدسة غير كاملة النضج فالحقن بمادة الفاكيموتربسين يفيد إلى حد بعيد في إزالتها، وذلك بتذويب الأحزمة المحيطة بها من كل جانب.. وبالطبع فإن أحدث الطرق هي إزالتها باستخدام أشعة الليزر .. وبعد إزالتها يتم خياطة الجرح وتضمد العين، ومن الجائز أن لا يتم خياطة الجرح.
ما بعد العملية؟
قديماً كنا ننصح المريض بالبقاء بالمستشفى لمدة أسبوعين تقريباً، يتم في نهايتهما إزالة الغرز وعمل النظارات المناسبة، لكن نظراً للتقدم التكنولوجي فإن المريض أصبح لا يمكث أكثر من يوم واحد، وهذا ما يحدث في مستشفيات أوروبا. على أن المرض سيأخذ بعض الوقت حتى يتأقلم على الوضع الجديد.. حيث يشعر بزغللة في العين .. والدنيا تبدو وردية بعض الوقت أو زهرية في أوقات أخرى لكنه بالوقت والتعود ولبس النظارات المناسبة سيجتاز هذه المرحلة بهدوء.
وقد يسأل سائل: ماذا لو تركت المياه البيضاء دون إزالة؟
بما أن للعملية وجهين فأيضا يمكن ألا يحدث شئ على الاطلاق، أي لا مضاعفات البتة، ومن الجائز أن يحدث انخلاع كامل للعدسة المعتمة، وتسقط في السائل الزجاجي، أو انخلاع جزئي يؤدي إلى ارتفاع في الضغط داخل العين “جلوكوما ثانوية” أو التهاب قزحي هدبي .. وعلى هذا فالنصيحة كل النصيحة هي إزالة هذه الكتاراكتا واستعواضها بعدسة أخرى داخلية. البقية في العدد القادم