بقلم: تيماء الجيوش
الجرائم البربرية ، جرائم الشرف من الممكن ان تقع في أي بلدٍ عربي او شرق أوسطي فلا فرق هناك في البقعة الجغرافية لهذه الجريمة سواء في الأردن، سوريا، مصر، العراق، الجزائر ، السعودية ، ليبيا الى اخر القائمة . تجد المرأة نفسها و قد قُتِلَتْ على يد اسرتها ، أقربائها و لا غرابة في ذلك ما دامت الذكورية المطلقة في هذه المجتمعات القبلية متجذرة ولا بد من محو العار وإلا فليس هناك من شرفٍ للعائلة تتباهى به في محيطها الاجتماعي و جسد المرأة هنا هو الشرف و هي من تحمل على أكتافها هذا العبء. تحدثت عن هذه الجريمة في مقالٍ سابق منذ ثلاثة شهور و على ما يبدو كلما انتهت جريمة تبعتها اخرى لا تقل عنها دمويةً و عنفاً تحتل زوايا الأخبار و يتداولها الاعلام ليتلوها ، ثم محاولةً هنا و محاولةً هناك من قبل البعض لبعثرة الحقائق و التفاصيل و ما يثير الحزن و الرعب بأنها حقاً جريمة يتم تبريرها اجتماعياً وقانونياً لهذا كانت عقوبتها الجزائية منخفضة، قد يستنكرها العديد من أفراد المجتمع لكنهم يجدون لها العذر و التبرير و بالتالي و بحسب رأي من يساند ارتكاب هذه الجريمة لا تستحق عقوبةً قاسية تعادل جريمة قتلٍ عن سابق إصرارٍ و ترصد. بل لا يهمهم عدد الضحايا من النساء و خسارة ارواحٍ بريئة و لا يهمهم إن كان هذا يتنافى مع ابسط قواعد الأخلاق و القيم. وهذا بحد ذاته يُعدُّ وجهاً فاضحاً لذكوريةٍ مطلقة.
ما يهم في حقيقة الامر لديهم هو التحكم بجسد المرأة سواء كان هذا لاعتباراتٍ ثقافية، او اجتماعية، او تعريف خاص بالشرف، او اعتبارات غير حضارية فجميعها يصبُّ في قناة الاضطهاد و العنف ضد المرأة حيث شكّل جسد المرأة موقعاً لنزالٍ سياسي بين فرقاءٍ عدة مما نبه المرأة / النسوية في مراحل متأخرة الى حتمية استرجاع السيادة على الجسد و بالتالي مناهضة العنف في صورته الأكثر دمويةً أي جرائم الشرف.
وما يدعوني للعودة و الحديث عن جرائم الشرف هو ما تعرضت له إسراء غريب ابنة بيت ساحور الفلسطينية و التي يُشتبه بانها ضحية جريمة شرف. ولا بد ان معظمكم سمع بان إسراء ليست سوى شابةً فلسطينية كزهرةٍ من زهور بيسان، خرجت الى مكان عام لتلتقي خطيبها و شقيقته لتعود و تجد من يعاقبها بالقتل على ذلك ، هكذا تم تداول القصة في وسائل التواصل الاجتماعي ودون سرد تفاصيل اكثر ، سأبدأ من الناحية القانونية و ما أُعلن عنه من قبل النيابة العامة الفلسطينية في بيانها لأنه حجر الأساس :» إن التحقيقات ما زالت مستمرة من قبل فريق التحقيق المشكل من نيابة بيت لحم ونيابة حماية الأسرة من العنف ونيابة الجرائم الإلكترونية».
و أضاف البيان أنه «تم إنجاز تقدم كبير في التحقيق، حيث تم سماع العشرات من الشهود وتدوين أقوال كل الأشخاص الذين تربطهم صلة بالمرحومة، خاصة الذين رأت النيابة امكانية الاستفادة من أقوالهم وشهاداتهم».
وقالت النيابة الفلسطينية إن «تقرير الطب الشرعي النهائي لم يصدر بعد، ويتم العمل على إعداده من قبل المختصين».
تلا ذلك البيان إيقاف ثلاثة أشخاص في بيت ساحور للتحقيق معهم حول تفاصيل ما جرى ل إسراء و الإصابات التي تعرضت لها الى حين وفاتها.
بعد ذلك بأيام قررت الحكومة الفلسطينية في جلستها الأسبوعية ، الشروع بمراجعة قانون العقوبات بشكل جدي وفعّال، لتوفير أعلى الضمانات للمحافظة على أمن المجتمع والممتلكات.»
كما ذكرت في بدء المقال اول من تداول القصة هو وسائل التواصل الاجتماعي و كان هذا منبراً مُصغراً تجد فيه و من التعليقات المتناثرة شرحاً و تبريراً و تعاطفاً مضمراً مع جريمة الشرف بل و محاولة اسباغ تفسيرٍ مختلف يستخف بالعقول و بعيداً كل البعد عن ادنى درجات المنطق و العلم بل و بلغت الحماسة لدى البعض للحديث عن الثقافات و اختلافها و مقارنة ارقام الضحايا بين الشرق و الغرب و النعم التي ترفل بها نساء الشرق . ولا يدعي أحداً ان لديه نظاماً قانونياً عربياً أفضل من الغير فمعظم الدول العربية تغض الطرف عن جرائم الشرف و تبقيها قانوناً تحت مظلة التبرير و الأعذار المحلية.
قضية اسراء تعود لتدفع الى وجه الحدث مستنقع الشرق باكمله ، قضية المساواة و تسامح القانون مع العنف الدامي الموجه و بشكل مستمر و منتظم ضد المرأة . أبرزت هذه القضية ان مجتمعاتنا العربية القبلية و تعاطيها مع حقوق المرأة خارج نطاق التغيير او التطور او الحداثة وأنها لا زالت رهينة كهوفٍ مُظلمة.
ها هو الشرف القبائلي مرة تلو المرة يستدعي الخوف من التغيير و المزيد من التحكم و اعتبار السلوك المخالف لسرب هذا التحكم ما هو إلا جريمة تقتضي العقاب و ليس صعباً بمكان ان تعود لتجد المبررات الثقافية و الاجتماعية بل و اجتهادٍ شرعي يمنح القاتل رخصةً للقتل العمد دون اَي اعتبارٍ لمبادئ العدالة. ترسيخ قواعد اجتماعية تمنح رخصةً في واقع الامر لمن يخضع لها عبر احترامٍ مجتمعي و تجريم من يخافها مع كل ما يعكسه هذا التجريم من رعبٍ من الاجساد الجندرية .
اسراء غريب قُتِلت او ماتت سيكون القول الفصل فيه للتحقيق . ما يهم ان هذه القضية اثارت و بعمق قضية التغيير القانوني ، فلا بد من التغيير و سن قوانين جديدة و منها قانون حماية المرأة من العنف و تعديل قانون العقوبات في كل الأقطار العربية و ليس في دولة فلسطين العربية فقط و اعتبار انه لا عذر مبرر لجريمة الشرف و قتل المرأة هو جريمة مقصودة تستحق اقصى العقاب. والاهم تغيير قانون الاحوال الشخصية على مستوى البلدان العربية اجمع.
خبراء المنطقة العربية يعلمون تمام العلم انه لإحداث التغيير الجذري و المطلوب لا بد من ادراج موضوع حقوق المرأة في البرامج السياسية للحكومات و لا بد أيضاً لمكانة المرأة و ان تتفق تماماً مع مشاريع الدولة و خططها و لها مكاناً يتماشى مع سياساتها . خبراء المنطقة ويعون تماماً العلاقة الجدلية بين القانون و المجتمع و من منهما يؤثر أولاً بالآخر و من تعريف القانون هو: «الذي يعنــي النظـــــام، ويقصــد بــه تكــرار أمـر معيــن علــى وتيــرة واحـــــدة، حيــث يعتبــر هــذا الأمـــر خـاضعـا لنظــام ثابـت معلـــوم.» و ينطوي القانون على قواعد و إجراءات تُمّكن استقرار النظام مما يؤدي الى الاستقرار و الضبط الاجتماعي الذي بدوره يقوم على اسسٍ من التعاون و التضامن في اَي مجتمع لكن الاستقرار لا يعني الجمود بل يدفع الى المزيد من الحداثة و ومن التغيير الاجتماعي و الذي هو تعريفاً : «التغير الاجتماعي ظاهرة اجتماعية (Social phenomenon) ، وحقيقة لا تقبل الشك ، فالمجتمع بطبيعته متغير , فهو يأخذ من الجيل السابق جوانب ثقافية ويضيف عليها تمشياً مع واقعه الاجتماعي ومتطلباته المستجدة .»
إذاً الان في هذه المرحلة المطلوب هو التغيير القانوني الفوري في قوانين العقوبات و الاحوال الشخصية العربية و احترام حقوق المرأة لانها حقوق إنسان. إن لم يتم التغيير التشريعي و القانوني بم يتماشى مع مراحل الواقع الاجتماعي و تغيره ، سيكون السؤال
لماذا هذه الازدواجية في القانون ؟ لماذا نوقع على اتفاقية دولية تحمي المرأة CEDAW إن كان المجتمع و الدولة بما فيها المؤسسات القضائية لا تستطيع توفير هذه الحماية بل تمنح رخصة بالقتل عبر إثارة ذرائع ثقافية وممارسات متخلفة مغرقةً بالدماء عفا عليها الزمن؟ لماذا يوجد القانون إن كان القتل و الذبح مباحاً؟ لماذا الحديث عن الحداثة و الجرائم البربرية تُدعى جرائم شرف؟ لماذا كل هذا العنف القانوني ضد المرأة؟
سلاماً و برداً لأرواح ضحايا الجرائم البربرية جرائم الشرف. سلاماً و برداً لروحك اسراء غريب.
ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
He that is without sin among you, let him first cast a stone at her
اسبوع سعيد لكم جميعاً