بقلم: نعمة الله رياض
جد أحيانا في تجمع بشري فئه من عدة افراد أو حتي فرد واحد يمارسون التعصب علي باقي أعضاء التجمع ، وقد يمارسون التعصب بصورة اشد علي التجمعات البشرية الأخري التي لا تشارك المجموعه الأولي في معتقداتها وتصرفاتها التي تنطوي علي أخذ مواقف دون تمحيص وبحماس مفرط ، ويظهر المتعصب معايير صارمة للغاية وبتسامح قليل تجاه الأفكار أو الآراء المعارضة ، وزوج خالتي الأستاذ/ كمال يوصف بانه من فئة المتعصبين الرياضيين وهو من اكبر المشجعين لفريق كرة القدم التابع للنادي الرياضي الذي نحن أعضاء فيه ، وشغل به من قبل منصب رئيس مجلس الإدارة ، ويصل المتعصب الي اقصي درجاته تجاه الفرق المنافسة ويظهر ذلك بقوة في المباريات الفاصله ذات المستويات العالية من التعاطف والتصفيق والهتافات الحارة المصاحبة . يتم ذلك بناءً على الاعتقاد الخاطئ بأن التعصب المتطرف يمكن أن يولد قوة ضغط تغير نتيجة الألعاب بالنسبة لفريقهم المفضل ، كتمكنهم من إعادة مباراه مهمة.. وإذا حدث مرة وتقابل الأستاذ/ كمال صدفة مع أي شخص من الفرق المنافسة فإنه يفقد أعصابه ويصيح ويلوح بقبضته في الهواء ، ومن مرادفات التعصب كلمات” ذات معاني مشابهه مثل الانحياز، والتحزَّب، والتزمَّت، والتشدَّد ومن انواع التعصب الذي يحس به الشخص الاكثر تطرفا هو التعصب لذاته (النرجسية) أو لأهله أو عشيرته، ويذكر ايضاً في هذا السياق التعصب القومي والعرقي أو العنصري المتفوق كما ينتشر جداً التعصب الديني المتطرف ويوصف بأنه الإيمان الأعمى والإستعداد لاضطهاد المعارضين وغياب الوعي بالواقع المستجد .. وإحقاقاً للحق كان الأستاذ/ كمال ينظر للاديان نظرة متسامحة مثل الأديان الإبراهيمية وهي اليهودية والمسيحية والإسلام وفروع المسيحية كالكاثوليكية والارثوزكسية والبروتستانتية ، كذلك غيرها من الاديان مثل البوذية والهندوسية والبهائية الي آخره من انواع الأديان ، وكان الأستاذ /كمال ينظر الي معتنقي هذه الأديان واماكن ممارساتها نظرة إحترام وتبجيل ، وهذا عكس تماماً نظرته لأعضاء فرق كرة القدم ومشجعينها مهما كان دينهم .. جاء يوم أعلن فيه عن اقامة مباراة في نهائي مسابقة الدوري بين الفريق الأول الذي يشجعه كمال والفريق الثاني المنافس ، حشد علي جانب الملعب مشجعو الفريق الأول يلوحون بالأعلام الحمراء ويهتفون بجنون لصالح فريقهم ، بينما حشدعلي الجانب الأخر من الملعب مشجعو الفريق الثاني يلوحون بالاعلام البيضاء .. في المقصورة جلس كبار المسئولون من كلا الناديين علي جانبي المقصورة بعد أن تبادلا التحية والمصافحة ببرود وتحفز.. جلس كمال علي مقعده لبرهه ثم ما لبث أن قام واقفا يشجع الحاضرين حوله بالهتاف والتصفيق .. بدأت المباراه واحرز الفريق الأول هدفا احترافياً بعد ربع ساعة فقط من بداية الشوط الأول ..جن جنون مشجعي الفريق الأول وارتفعت الأعلام الحمراء ترفرف في الهواء وأطلقت البالونات الحمراء في السماء، مضت عشرون دقيقة اخري واللعب سجال بين الفريقين وقبل نهاية الشوط الأول بدقيقتين عرقل لاعب من الفريق الأول مهاجم من الفريق الثاني فى منطقة الجزاء، فاحتسبها الحكم ضربة جزاء احرز منها لاعب من الفريق الثاني هدف التعادل .. تهلل مشجعو الفريق الثاني ورفرفت الأعلام البيضاء .. في فترة الراحة ارتمي كمال علي مقعده متعبا من الشد العصبي وبسبب إجهاد حنجرته لهتافه المتواصل .. شرب رشفتين من زجاجة مياه ، وأصغي إلي تعليقات الجالسين حوله ولم يعجبه كلامهم فانبري يدافع عن لاعبي فريقه ومدربهم وشكك في صحة ضربة الجزاء ومستوي كفاءة الحكم ، بل أخذ يسب جمهور الفريق الثاني وينعتهم بالرعاع !! بدأ الشوط الثاني للمباراه وكلا الفريقين مصمم علي إقتناص هدف الفوز وارتفعت صيحات المشجعين إلي عنان السماء ، وتمكن الفريق الثاني من إحراز هدفه الثاني، ساد الصمت الأليم المدرجات التي يشغلها الفريق الأول ، بينما كان يردد مشجعو الفريق الثاني أناشيد النصر المنتظر .. مضت الدقائق ثقيلة وعقيمة ولم يستطع لاعبو الفريق الأول إحراز هدف للتعادل والحصول علي شوطين إضافيين ثم اللجوء إلي ضربات الترجيح كما كانوا يأملون .. وهكذا إنتهي وقت المباراه بفوز الفريق الثاني وحصوله علي كأس الدوري وسط وجوم مشجعي الفريق الأول ، كانت لهذه النتيجة وقع الصاعقة علي كمال الذي أغمض عينيه وشعر بدوار شديد في رأسه ومال جسده فوقع علي الأرض ، تجمع عدد من الحاضرين حول كمال الذي فقد وعيه وأسرع اليه رجل جاء من الجانب الآخر للمقصورة والتي يشغلها مشجعو الفريق المنافس وطلب من الحاضرين الإبتعاد قليلا عن كمال الممدد علي الأرض وعرف نفسه بأنه طبيب وقال للحاضرين :- غالباً انه يعاني من بوادر أزمة قلبية وواضح أن عمره تجاوز الخمسين عاماً ، وأخرج من جيبه هاتفه المحمول وإتصل بالإسعاف لنقله للمستشفي .. وصلت سيارة الإسعاف بعد دقائق قليلة واشترط السائق إصطحاب مرافق طبقاً للتعليمات ، لكن بالرغم من وجود عدد من المسئولين من نادي الفريق الأول والذين يعرفون كمال جيداً، لم يتقدم احد لهذه المهمة لأعذار مختلفة ، إنبري الطبيب الذي فحص كمال وتطوع لمرافقته .. في المستشفي تم فحص كمال وحقنه وسمح له بمغادرة المستشفي .. مرة أخري أصر الطبيب علي مرافقة كمال إلي منزله الذي عرف عنوانه من البطاقات الموجودة في جيب سترته .. أصر الطبيب للمرة الثالثه علي البقاء طوال الليل إلي جانب كمال للعناية به وإعطائه الأدوية المقررة .. في الصباح تحسنت حالة كمال تحسناً ملحوظاً وتناول الطبيب مع كمال وزوجته طعام الإفطار بل انه لعب مع كمال دور شطرنج .. شكر كمال الطبيب الذي انقذه من الموت ، وعندما علم أن الطبيب من مشجعي فريق النادي المنافس أعلن تخليه عن تعصبه المقيت ، وأرسل للطبيب فيما بعد بطاقة عضوية شرفية طلبها من إدارة ناديه مع حواله بعشرة آلأف جنيه من ماله الخاص، لكن الطبيب إعتذر عن قبول الحوالة قائلا إن هذا واجبه كطبيب..!!