بقلم: د. حسين عبد البصير
عائلة الملك الذهبي
من المعروف عن الملك الشمس أمنحتب الثالث، باشا ملوك الفراعنة، أو لويس الرابع عشر مصر القديمة، أنه كان يعيش حياة الترف والمتعة. وكان كثير البناء والتعمير والإنشاءات. ووصلت العمارة والفنون في عصره إلى أرقى المراحل في مصر القديمة وفي العالم القديم كله. وكان الملك أمنحتب الثالث محبًا للنساء. وكان كثير الزواج خصوصًا من أميرات الشرق الأدنى كي يدِّعم بالزواج الدبلوماسي من العلاقات بين مصر وجيرانها من القوى الكبيرة الصديقة أو المنافسة في المنطقة، التي كانت مصر سيدتها بلا منازع. وكان قد تزوج من الأميرة الميتانية جليوخيبا، أخت الملك الميتاني توشراتا، في العام العاشر من حكم أمنحتب الثالث. ومن الجدير بالذكر أن زوجته الرئيسة الملكة تي، أم الملك أخناتون، كانت تبارك تلك الزيجات لزوجها الملك التي لم يكن يسكن بقلبه أحد سواها. واتخذ الملك رمسيس الثاني من الملك أمنحتب الثالث قدوة له وكان يقلده في كل شيء.
نعرف أن الفيلسوف الموِّحد الملك أخناتون هو والد الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون بعد أن كنا نعتقد أنه الملك أمنحتب الثالث، غير أننا لا نعرف على وجه التحديد هوية والدة توت عنخ آمون. وهناك ثلاث نظريات في ذلك الشأن. وكانت النظرية السائدة هي أن أم توت عنخ آمون هي الأميرة كيا التي قد تكون الأميرة الميتانية تدوخيبا، ابنة الملك الميتاني توشراتا التي تزوّجها الملك أمنحتب الثالث في العام السادس والثلاثين من حكمه. ومات أمنحتب الثالث بعد فترة وجيزة. وتزوجت بعد وفاته ابنه الملك أخناتون التي أنجب منها ابنه الملك توت عنخ آمون، والتي ربما ماتت أثناء ميلاد توت عنخ آمون في تل العمارنة، ثم اختفت من مسرح الأحداث في عصر العمارنة بعد العام الحادي عشر من حكم أخناتون. وحاول بعض العلماء القول إن كيا ونفرتيتي شخصية واحدة بناءً على ترجمة خاطئة لاسم نفرتيتي بمعنى «الجميلة أتت من بعيد»، قاصدين قدوم الأميرة الميتانية من بلاد الشرق الأدنى القديم، غير أن اسم نفرتيتي يعني «الجميلة أتت» فقط. ويعد ذلك الافتراض ليس صحيحًا؛ لأسباب عدة ليس هنا مجال لذكرها. وهناك نظرية جديدة، وهي ما تزال تحت البحث والدراسة، وهي الأقرب إلى الصواب، وهي أن أم الملك توت عنخ آمون هي بنت من بنات الملك أمنحتب الثالث. وهن: نبت ياه وست آمون وآسيت سي وحنوت نب وبكت آتون. وصاحب تلك النظرية هو الدكتور زاهي حواس. وهناك نظرية حديثة جدًا ذكرها لي عالم المصريات البريطاني إيدن دودسون في لقائه الأخير معي في الإسكندرية بعد محاضرته الرائعة في متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية عن الملكة الجميلة نفرتيتي ملكة مصر. وذكر لي أن الملكة نفرتيتي، زوجة الملك أخناتون وأم بناته الست، هي أم الملك توت عنخ آمون. ونشر كتابًاجديدًا عن الملكة نفرتيتي.غير أن ما ساقهمنأدلة؛ كي تدعم نظريته الجديدة، والتي لم يسبقه أحد من العلماء إلى القول بذلك، يبدو لي غير مقنع. وفي انتظار الدراسات المستقبلية حتى نعرف من هي أم توت عنخ آمون على وجه التحديد.
زوجة الملك أخناتون
يعتقد العلماء أغلب الظن أن أم الملك توت عنخ آمون كانت زوجة أو محظية ثانوية غير معروفة، ويشار دومًا إليها على أنها «الزوجة المحبوبة جدًا» أو «حمت مررتي-عات» كيا، كما تم ذكرها في تلك الفترة. وهذه الملكة كيا تعد لغزًا. ويعتبر هذا اللقب المشار إليه أعلاه نادرًا جدًا ويخصها هي فقط، ولم تحمله أية زوجة ملكية أخرى غيرها في أية فترة من التاريخ المصري القديم، وعادة يتم ربطها بالملك أخناتون تحديدًا. وأصولها غير معروفة، وهناك اقتراح بأنها ربما كانت تادوخيبا، والتي كانت أميرة من دولة ميتاني في شمال سوريا، والتي تم إرسالها لمصر من خلال الزواج الدبلوماسي بين مصر وميتاني. وهذا شيء مثير، لكن لا يوجد عليه دليل مباشر. وقد اقترح بعض العلماء، أمثال رِدفورد وفان دايك ومانيكه وكويرنج وهِلك، أيضًا السيدة جليوخيبا، عمة تادوخيبا.
تعد كيا معروفة في عدد من المصادر الأثرية، غير أنه تم اغتصاب آثارها بواسطة بعض الأشخاص في عهد أخناتون نفسه، وتم تعديل تابوتها لدفنة الفرعون. وفي معظم تمثيلاتها ومناظر ظهورها في الفن تم إعادة نقش وتعديل آثارها ووضع الأميرة ميريت آتون، وأحيانًا الأميرة عنخ إس إن با آتون، مكانها، كنوع من أنواع عدم التقدير لكيا. واستمر ظهور كيا إلى العام التاسع أو العاشر من حكم أخناتون، غير أنه تم محو أسماء آتون من على آثار كيا مبكرًا أو لاحقًا. وتم اغتصاب معظم آثارها ووضع اسم ميريت آتون عليها قبل صعود ميريت آتون لمنصب الملكة في حدود العام الثالث عشر من حكم الملك. ومن المرجح أنه تم تدمير آثار كيا وعدم تقديرها قبل ذلك التاريخ، كما يظهر ذلك في إحدى القطع المنقوشة، والتي جاءت من الأشمونين في مصر الوسطى، والموجودة حاليًا في متحف ني كارلسبرج في كوبنهاجن في الدنمارك. وفي هذا المنظر تظهر رأس كيا ونقوشها معدلة جميعها كي تمثل ميريت آتون. ومما سبق يتضح أن كيا لم تكن أم ولي العهد ووريث عرش أبيه كما يعتقد عالم الآثار البريطاني الدكتور إيدن دودسون. وهناك شخصية قد تكون قد حكمت أغلب الظن مع أخناتون تحت اسم «نفر-نفرو-آتون»؛ إذا أن أحد ألقاب تلك الشخصية كان «الفعالة لزوجها»، مما قد يشير إلى نفرتيتي، كما تشير الأدلة، وليس كيا.
غير أن كيا ربما قد أنجبت بنتًا؛ وذلك بناءً على نصين كبيرين على كتلتين حجريتين من الأشمونين تم محوهما، ويظهر عليهما اسم مفقود لابنة ملكية، غير أنها ترتبط بشكل مباشر باسم وألقاب كيا. وقد اقترح بعض العلماء بعض الادعاءات الغامضة عن مستقبل كيا. واقتراح اسم كيا كأم الملك توت عنخ آمون يأتي من منطلق أن كل الاقتراحات مقبولة في ذلك الشأن إلا أن تكون أمه نفرتيتي. واُقترح أيضًا أن تكون كيا هي «داخامانزو»، وهي غالبًا الترجمة الحرفية للقب المصري زوجة الملك «تا حمت-نسو»، الملكة المصرية التي جاء ذكرها في أحد النصوص الحيثية حين أرسلت رسالة لملك الحيثيين تطلب فيها أن يرسل لها أحد أبنائه؛ كي تتزوجه بعد وفاة زوجها الملك. غير أن ذلك الاقتراح ليس له ما يدعمه؛ لأنه قد تم تدمير آثار كيا وعدم تقديرها قبل وفاة الملك أخناتون.
لنا تكملة في العدد القادم