بقلم: سليم خليل
أنهى الشاب يوسف دراسته الجامعية وكان يحتفل مع رفاقه بالتخرج عندما وصله نبأ وفاة جده الذي تعهد تربيته وتغطية نفقات دراسته لآن والديه كانا قد فارقا الحياة على أثر حادث سيارة .
سارع يوسف بالعودة إلى جدته ليهتم بها وليتسلم إدارة أعمال وأملاك العائلة . خلال تسلم زمام الأمور في الشركة طلبت الجدة من حفيدها طلبا خاصا إذ قالت له : كل ما يهمني وأنا على قيد الحياة أن أعرف شيئا عن سيدتين: إيزابيل وكارولين كان جدك يرسل لهن مبالغ مالية دون أن يعلمني عن السبب ؛ وأخشى أنه كان على علاقة غرامية بهن .
هكذا كان ليوسف مهمة غريبة وهي التحري عن سيدتين يمكن أن تترك علاقة جده بهن مشاكل مشاركة في الإرث ومتاعب مالية في المستقبل ؛ ومن الأفضل أن يكون على اطلاع كامل قبل التعرض إلى مفاجآت والوقوع في مشاكل من الأفضل مواجهتها وحلها في الوقت المناسب .
بدأ يوسف تحرياته عن السيدتين ومرت الأشهر دون الوصول إلى نتيجة؛ وكلما طال الوقت زادت هذه المشكلة من إهتمامه ؛ إلى أن قدمت مواسم أعياد الميلاد ورأس السنة. هنا أعلمته سكرتيرة الشركة أن جده كان يشتري شجرة الميلاد كل عام بنفسه من بائع خارج المدينة وكان يختارها بنفسه وكان يهتم بزينة الشجرة ووضع الهدايا للموظفين حولها. كان جدك وجميع الموظفين وعائلاتهم يجتمعون ليلة العيد في صالة الشركة يرنمون تراتيل الميلاد ويتبادلون التهاني ثم يوزع جدك الهدايا والمكافآت . بعد ذلك ينصرف الجميع شاكرين ومتمنين له وللجميع النجاح والصحة وللعالم السلام والمحبة. كانت مناسبة الميلاد المجيد أجمل حدث يتكرر منذ سنين في الشركة .
في اليوم التالي ذهب يوسف إلى بائع شجر الميلاد وعرف بنفسه قائلا إنه يرغب بالسير على خطى جده وأختار شجرة ودفع ثمنها؛ قال له البائع كان جدك يشتري شجرتين يأخذ واحدة وأنا أهتم بإيصال الثانية إلى حيث يريد . سأل يوسف البائع لمن كان يرسل جدي الشجرة الثانية؟ فأجابه البائع إلى سيدة إسمها كارولين ؛والعنوان: مركز إيزابيل الصحي ! شكر يوسف البائع وأخذ شجرة ثانية متجها إلى العنوان الذي يحمل إسم إيزابيل تكريما وتخليدا لذكرى سيدة محسنة فاضلة تبرعت ببناء المركز الصحي لمعالجة المشلولين .
دخل يوسف المركز وقدم شجرة الميلاد وطلب مقابلة كارولين؛ أجابته المسؤولة أن كارولين مصابة بالشلل على أثر حادث سيارة وكانت هي المسببة بالحادث الذي ذهب ضحيته رجل وزوجته ؛ كما كان رجل فاضل يزور المريضة من وقت لآخر وخاصة بمناسبة الميلاد ويتبرع بقسم من تكاليف المعالجة والإقامة ويقدم شجرة الميلاد للمركز . فسأل يوسف هل يمكن أن أعرف تاريخ الحادث ؟ بعد العودة إلى السجلات تبين أن تاريخ الحادث كان ذات يوم الحادث الذي ذهب ضحيته والده ووالدته.
كانت المفاجأة كالصاعقة ! اضطر يوسف للجلوس والتأمل لدقائق دون حركة مندهشا ومتذكرا جده وعظمة ما كان يقوم به من أعمال الخير .
زار يوسف السيدة كارولين وشاهدها مقعدة بدون حراك ثم عاد إلى جدته ليخبرها عن عظمة أعمال جده ؛ وإن السيدتين اللتين كانت الجدة تخشاهما كانتا إيزابيل – المركز الصحي -وكارولين السيدة التي تسببت بحادث وفاة والديه أو إبنها وزوجته ؛ وإن كارولين مصابة بالشلل الدائم منذ يوم الحادث .
عانقت الجدة حفيدها ودموع الفرح تنهار من عينيها وشكرته وطلبت منه مرافقتها لزيارة كارولين . عندما وصلا إلى غرفة كارولين التي كانت بدون حراك : ألقت الجدة التحية وعايدتها بعيد الميلاد وقالت لها : أنا ويوسف نسامحك بمناسبة هذا العيد المقدس ؛ عندما سمعت كارولين ما قيل لها إلتفتت والدموع تنهمر من مقلتيها وشكرت الجدة على معايدتها ومسامحتها .
كانت بصحبة الجدة ويوسف المسؤولة عن المركز التي أكدت أن كارولين لم تحرك رأسها منذ الحادث .
تمجد الله بمخلوقاته ؛ تمجد الله بالمؤمنين وامتحانهم بالمصائب ؛ لقد سار الجد ثم الجدة ويوسف على هدى الإيمان وتعاليم المسيح وكانوا المثل في المحبة والعطاء والمسامحة.