بقلم: الاب / فريدريك اليسوعي
تكلمت في الجزء الثالث من سلسلة مقالاتي السابقة تحت عنوان «هل المسيح هو الله» عن الكثير من الأمور التي تُجيب على هذا السؤال المهم بوضوح لا يحتمل الشك، حيث لا اسعى هنا لتأكيد المؤكد أو لإثبات صحة الايمان المسيحي من عدمه، مقارنة بما هو معروض ومطروح وتقدِّمه العقائد المقابلة للعقيدة المسيحية، ولكن بهدف مساعدة من لا يعرف ويُريد أن يعرف الشئ اليسير عن السيد المسيح والعقيدة المسيحية والتي قد لا يعرف البعض من أبنائها الكثير من حقائقها الإيمانية المهمة، والتي جاء بعضها في بعض الكتب التاريخية الموثقة ولا تمت بصلة من قريبٍ أو بعيدٍ ولا أصحابها للعقيدة المسيحية وإن حملت أرائهم وتعليقاتهم حول موضوع إحياء المسيح ورفعه بعد موته ومنها على سبيل المثال لا الحصر ماجاء في :
1- تفسير الإمام الرازي الجزء الثاني ص 457 و 458 عن أنه قيل : توفي المسيح 7 ساعات ثم أحياه الله ورفعه!
2- كما قيل أيضا « إن الله آمات المسيح ثلاثة ايام ثم بعثه ثم رفعه» ولكن هذه المرة في (تفسير ابن كثير الجزء رقم 1 ص 366)
3- كما قال إخوان الصفا عن المسيح ما يلي «إنه ظهر للناس (المسيح) وجعل يدعوهم ويعظهم حتى أُخذ وحُمل إلى ملك إسرائيل الذي أمر بصلبه، فصُلب وسُمِّرت يداه على خشبتي الصليب وبقى مصلوباً من ضحوة النهار إلى العصر. وطلب الماء فسُقي الخل، وطُعن بالحربة في جنبه ثم دفن مكان الخشبة ووكل بالقبر لأربعين رجلاً لحراسته. وهذا كله كان بحضرة أصحابه وحوارييه وبعد ذلك بثلاثة أيام اجتمعوا في الموضع الذي وعدهم أن يترأى لهم فيه، فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم. (إخوان الصفا ج4 ص30).
4- كما قال الدكتور فؤاد حسنين في مقالته التي نشرت في أخبار اليوم بتاريخ 25/4/1970 تحت عنوان «إلهي إلهي … لماذا تركتني؟» إن موت المسيح على الصليب ليس معجزة المسيحية وإنما العكس هو الصحيح، أعني قيام المسيح من بين الموتى، فقد رفع الله المسيح إليه بأن أقامه بعد موته.
ولو تأملنا كل ما سبق استطيع أن أقول وكلي اطمئنان لما سأقوله ما يلي:
1- لا يمكن أن يكون أصحاب الرأيين الأول والثاني قد نقلا ما قالاه عن المسيحيين لأنهما قالا إن المسيح توفى لـ 7 ساعات أو لثلاثة أيام بينما يؤكد المسيحيون بإنه توفى لثلاثة أيام، كما أنهما لا يقولان بموتِ المسيح مصلوباً ولا بأن موته كان كفاَّره عن خطايا البشر. وهذا دليل على أنهما لم يعتمدا على ما جاء في الانجيل.
2- أما أصحاب الرأي الثالث وأقصد بهم إخوان الصفا فقد كانوا من كبار العلماء وفطاحل المفكرين في القرن الرابع الهجري وكانوا من أشد أهل زمانهم محافظة على مكارم الأخلاق وتمسكاً بالفضائل العالية من اخلاص ووفاء وفوق هذا كله اعتقادهم الراسخ واقتناعهم التام بعقيدتهم وهو ما يؤكد عدم قيامهم بنقل خبري صلب المسيح وقيامته من الإنجيل خاصة في الجزئية التي تكلموا فيها عن عدد الحراس الذين كلفوا بحراسة قبر المسيح، وبأنهم كانوا أربعين، وإن أصحابه وحوارييه كانوا جميعاً حاضرين عند دفنه وهو الأمر الذي ليس له أساس وغير مذكور في الإنجيل الأمر الذي يرجح اقتباسهم لأرائهم من مصادر تاريخية أخرى كانت متوفرة لهم.
3- أما صاحب الرأي الرابع أو الأخير فالمعروف عنه أنه قد نال حظاً كبيراً من الثقافة ولابد أنه درس الكثير عن قيامة المسيح من الموت وما قيل ضدها.. والغالب أنه انتهى إلى رأيه هذا بعد دراسة عقلية مستفيضة اقتنع بصدقها.
وعن هذا وذلك يتضح لك عزيزي القارئ من كل ما سبق حقيقة صلب المسيح وحقيقة موته وحقيقة قيامه من الموت وأخيراً حقيقة رفعه إلى السماء.. والخلاف الوحيد بين الايمان المسيحي وغيره يتمحور حول قبول تعريف المسيح لذاته بأنه الطريق والحق والحياة وبأن كل من يؤمن به ولو مات فسيحيا، وكيف لا وهو واهب الحياة وصاحب السلطان الأول عليها والمتحكم الوحيد فيها؟
وإلا فليذكر لي احدكم أي شخص أو إنسان قد مات ودفن ثم قام وعاد إلى الحياة مرة أخرى منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا ليرفع إلى السماء بشهادة الشهود!
وحتى نلتقى في العدد القادم مع الجزء الخامس، أترككم بسلام الله وتحت رعايته مع خالص محبتي.