بقلم: سونيا الحداد
تعبت قمر وهي تمشي في الغابة شاردة منذ ساعات دون وجهة معينة، دون مخطط مسبق تتبعه يكون دليلا لها. هدفها الوحيد هو أن تجد شمس فارسها مهما كلّفت التضحيات وبأي ثمن. صوتها الداخلي يهمس لها دون توقف، لا بل يحتل داخل رأسها الصغير، يحثّها على المضي قدما، دون النظر الى الوراء. شمس ينتظرها وهو بحاجة ماسة اليها.
تذهب الى أين، الى أية جهة تتجه، وكيف تعمل وقد بات طعامها ينفذ وكذلك الماء الذي جلبته معها؟ كم كانت طائشة ساعة تركت منزلها على عجلة دون التفكير بإحضار مونة أكبر معها تقيها الجوع والعطش ولا مال تستعمله ساعة الحاجة. حتى انها لم تجلب أي غطاء يحميها برد الليل وقد اقترب وبدأت تشعر بالوحشة والرهبة في وسط هذه الغابة المهيبة. توقفت فجأة ونظرت حولها مخطوفة الأنفاس من جمال هذه الغابة الساحرة،! ساعات من المشي لم تنتبه خلالها إلى ما يحيط بها وقد انشغل رأسها بفكرة واحدة اعمتها عما يتواجد ويدور حولها. إنها هنا تقف وسط دائرة من أشجار لم تر مثلها في حياتها ابدا. أشجار متفرعة مثل شجر الأرز يفوح عطرها من عطر الأرز، لكنها شاهقة لا ترى رأسها وكأنها لامست السماء وتخطتها!!!
وقفت صامتة تستمع الى أشجار الغابة تكلمها بهمس بعيد لكنها تسمعه وكأنه يأتي من داخلها. صوت يسألها: ماذا فعلوا أبنائي في داري. هل أعاروا الانتباه الكافي والاهتمام اللازم الى غابة الأرز قبل أن يحرقوها؟ هل رأوا الأعجوبة التي تراها هي الآن وقرروا المضي في مخططاتهم طمعا بالمال والسلطة، بعبادة القوة المزيفة الفانية بدل عبادة الأرض المقدسة؟ تبعوا من هم في أدنى درجات السمو الروحي، بعيدا سنوات ضوئية عن مراتب الصفاء، تحيط بهم هالة دنيوية تعشق المال والقوة، السلطة والجبروت، الشهوة والاستملاك. أناس يسببون ألما كبيرا ساعة مرورهم لأنهم لا يرون من حولهم أكثر من وسيلة لإشباع شهواتهم وغرائزهم التي تتملكهم جسدا وفكرا وروحا. يا ليتهم يتوقفوا عن اللحاق بهم وينظروا إلى وجهي كما انت تنظرين اليه الآن، لعلهم يتحرروا من لون الدماء القاتم ويتوقفوا عن تقديم أرواحهم غذاء لمن لا يشبع ودمائهم شرابا لمن لا يرتوي، رحمة بنورهم الذي يتوق الى ولادة شعلة الحياة من أجل السمو في رحلته الكونية الطويلة وما تخبئه له من مفاجئات عليه التهيؤ لها!
تدور قمر في مكانها وهي تنظر الى السماء، تدور دون توقف وكأن السماء ترفعها الى قبتها الخضراء التي تكونت من أغصان الأرز تتفرّع وتتشابك من أجلها وحدها. ترفعها أعلى وأعلى الى أن أصبحت في أحضانها تعانقها عناق أمها ساعة تلجأ الىيها كل يوم. أغمضت عينيها على صدر ماما وسمعت صوت نجمه عرابتها يطيب خاطرها ويطمئنها أن كل شيء سيكون على ما يرام، أنها عملت خيرا في جلب كرة البلور التي أهدتها إياها يوم مولدها، وأنها ستكون معها على هذه الطريق… بقي الصوت يتردد يخفت رويدا رويدا الى أن استسلمت الى سبات عميق عمق الكون!