بقلم: شريف رفعت
لا يدري ما الذي وضعه في هذا الموقف المأساوي المميت، غارق هو حتى وسطه في الرمال، يحاول ان يخلص نفسه بلا جدوى، كيف خطى على مصيدة الرمال المتحركة هذه و وقع في شراكها، بل ما الذي أتى به في المقام الأول إلى هذه الصحراء الموحشة القاسية القاتلة، لا يعرف، قد تكون مصيبته هذه بسبب معيشته في قوقعة طوال السنوات الماضية، ففقد بذلك قدرته على معرفة الاتجاهات و إدراك أين تطأ قدماه، لعن قوقعته و تقوقعه و قد اجتاحه ندم غلاب.
لا أحد حوله في الصحراء، فلا جدوى من الصياح، فقط هو و بقعة الرمال المتحركة، يحاول أن يخلص نفسه من براثن الرمال فتـُعـجـِل حركته من غوصه المميت، يظل ساكنا آملا لكنه يغوص يغوص، غوص بطيء هادئ حتمي. تصل الرمال إلى منتصف صدره، يسأل نفسه: ثم ماذا؟ أيستسلم لقدره؟ لحتفه؟ لموته؟ و هل في مقدوره أن يفعل أي شيء آخر؟
خطرت على باله فكرة حمقاء مجنونة، ماذا لو صاح بأعلى صوته مغنيا؟ فليختر أغنية ماجنة يسخر بغنائها من الموت المحتم، و لتنطلق عقيرته بها، لكنه عدل عن الفكرة، لا يدري لماذا، أكان ذلك احتراما لحرمة الموت؟ أم لشعوره أن هذا تصرف صبياني لا يليق برجل محترم؟ رجل محترم يغرق ببطء في الرمال.
هناك عدة دقائق باقية قبل اللحظة الحاسمة، لحظة وصول الرمال لأنفه و موته خنقا، ما الذي يجب فعله في هذه اللحظات؟ هل يستعرض تاريخ حياته؟ يسترجع خطاياه ـ و التي ليست بالكثيرة و في الغالب أقدم عليها بحـُسـْن نيّة ـ يستعرضها و يتوب و يستغفر عنها؟ أم يردد بعض النصوص الدينية التي ستكفل له في العالم الآخر النجاة و الفوز بالجـنة؟ لم تكن عنده رغبة لا في هذا و لا ذاك،
جال ببصره فيما حوله، الصحراء مقفرة مقفرة، هناك بعض الرياح التي تحرك الرمال في دوامات صغيرة مجنونة تزيد من وحشة المكان، لكن المشهد الغالب هنا هو غروب الشمس، في سماء الصحراء الصافية الشمس قرص أرجواني رائع متفرد متكبر، هي أيضا تغرق في الأفق الرملي، لكنها عكسه متأكدة من العودة صباح الغد جميلة رائعة و ممتلئة بالحياة. لون الأفق الغربي المحيط بالشمس جميل و شاعري كأن الطبيعة تحتفل بطريقتها الساخرة القاسية الماجنة بموته.
وصلت الرمال لرقبته، ترى كم دقيقة بقيت في حياته؟ بالتأكيد أسوأ من موته المحتم إنتظاره لهذا الموت، أهناك طريقة ينهي بها حياته الآن بدون هذا الانتظار القاتل؟
فجأة شاهد ما يشبه عاصفة رملية صغيرة على بعد، إنقشعت الرمال عن قطيع من الضباع. اتجهت الضباع نحوه، تسير بهرولة مميزة، وصلت الرمال لذقنه، قرص الشمس الجميل اختفى نصفه خلف الأفق بينما الضباع تتقدم بإصرار، يستطيع الآن أن يميز ملامحها، قبيحة هي، قبيحة بأعناقها المشرئبة، و (خطومها) مقدمة وجهها السوداء و لعاب مقزز يسيل من أفواهها، وقفت الضباع على بعد أذرع قليلة منه كأنها تـُـقـَيـِم الموقف، وصلت الرمال لفمه الذي أحكم إغلاقه.
لا يدري هل ستخنقه الرمال أولا أم ستفترسه الضباع أولا، أغلق عينيه مستسلما و انتظر