بقلم: سونيا الحداد
لبنان، هذا البلد الصغير الكبير الذي كتب عنه التاريخ منذ بدأ التاريخ، ما زال يصارع الموت منذ خمسة وأربعون عاما من العذاب الفكري، الروحي والجسدي. موت فرض عليه وهو الذي كان واحة لمن لآ واحة له. قلوب سوداء عشعشت في وديانه المقدسة وشربت من مياهه الصافية، قلوب سوداء أكلت على مائدته وتظللت صفصافه وأرزه تحلم بوليمتها التي نحرتها وشنّعت بها وما زالت الى اليوم وقد انتمى اليها الآف الضائعين في سراديب أوهام العظمة والقوة والشعب المختار والجنة والنار وكل ما يمكن أن يتصوره الخيال من أسلحة نفسية دمّرت أكثر من أي سلاح نووي. أسلحة من أجيال ولدت لآ تعرف معنى الوطن سوى من خلآل الانتماء الى قائد
أو زعيم أو ممثل روحي لآ روح له ولآ دين. خمسة وأربعون عاما من المعاناة خلفت سرابا يحلم من لآ صوت له، لو أن هذا السراب مجرد حلم طويل سينتهي وأن نور الوطن الشهيد لآ بد أن ينجلي من ظلآمه.
كيف سينجلي وقد أضاع المواطن طريق التربية المدنية. تربية كانت إلزامية في برامج معاهده، حلت مكان الأم والأب وجميع الفلسفات بما يخص واجبات وحقوق المواطن في إنماء الوطن والحفاظ عليه. ضاعت التربية المدنية وحل مكانها التربيات بالمئات، الدينية، الكونية، الميدانية، الحزبية، الإقطاعية واللآئحة طويلة. أجيال لم تعرف روح الوطن يوم كان أجمل الأوطان. يوم كان الجنة بين الجنات. أجيال حرمت من تربية مدنية تزرع في قلبها بزرة محبة كل حبة تراب من الوطن، كل نسمة، كل أخضر وكل قطرة من ندى حمل بصمات الكون في أعماقه يعكسها عشقا في قلوبنا يجعل منا نساكا له تعبدت . من يربي هذه الأجيال والآباء يعيشون السراب منذ تقريبا نصف قرن وقد ضاع ولآئهم بين الأعلام والبيارق والترديد والتسابيح والصهيل والنعيق وصانعي المصير؟
يا وطني الصغير الكبير، لآ تحزن. كفكف دموعك بالتي هي أحسن، شمّر عن سواعدك واعتني بأرضك الأم، هي وحدها ستنقذك من انياب الطغاة . ملايين القلوب الصافية تهتف لك ولن تتخلى عنك. كل بداية ولها نهاية وأنت، أنت الذي لقّبك التاريخ بالفينيق، ستحيا وتقوم من تحت الردمة، عروسا تبهر الشرق والغرب والمعمورة بأكملها لأنك لبنان ولبنان طيبه اللبان واللبان يضوع في الأبدية.