بقلم : كلودين كرمة
نعم فهذه حكمة ..حكمة الابتعاد ولو ظاهريا لان لا احد يعرف ما يخفيه الانسان إلا نفسه…وخصوصا لو كان الجرح من القريب او الحبيب..فنخشى ان لا نحتمل المزيد من الجروح فتقسوا علينا الايام و تذهب الفرحة من القلب فيفقد الثقة والآمان ولا نجد مرسى آمن نرسي عليه حين تشتد علينا المخاطر.
فنخشى اللقاء برغم انه يقتلنا الاشتياق..و نختلس النظرات سريعا حتى لا تتقابل العيون فتفضح ما فى القلوب.
وما اصعب ان يحتفظ الانسان بداخله بالعاطفة وعكسها ولا بد ان يتعامل وهو يحمل المشاعر الجميلة ولكن فى نفس اللحظة تتنبه نفسه وتذكره بما صدر من هذه الشخصية المحببة جدا اليه ، من سهام قد اخترقت الفؤاد..وكأننا حين نرى الجمال نرى معه العلامة الغائرة التى تركها الجرح ،فى نفس اللحظة ، فنصدم و ترتبك المشاعر وتحتار نظرات العيون ..فهل اطيل النظر حتى تشبع عينى من رؤية من احبهم قلبى ؟ ام احتفظ بما يجول فى خاطرى لنفسي فلا اظهر الفرح او الشجن فيكون اللقاء غير مجدى يفتقد الكثير من الدفء والمعانى ويشعر كلا الطرفين بالغربة وتكون الابتسامة مثقلة بالهموم بما يمنع اتصال الافكار وتطرح العيون الكثير من الاسئلة وكأنها تبحث عن اجابات تثلج القلوب التى تتوق الى عودة الحياة اليها.
وما اصعب هذه الظروف التى يمر بها الانسان فى وسط هذا البحر الخضم ..فمن الداخل هو ممزق ومن حوله لا يجد راحة ، فالمشاكل تحاوطه وان صادفته الافراح فانه يتعامل معها كأنها لحظات وسوف تمر سريعا حتى انه لا يملك الوقت الكافى ليتمكن من تغافل احزانه والتعايش معها فتمضى الاوقات السعيدة ولا يشعر بها وكأنها سراب ينظره الانسان ولا يلمسه.
ما ارهب هذه اللحظات التى تترك تأثيرها فى اعماق النفس لسنين عديدة ، يعيش هذا الانسان الحائر يبحث عن شاطئ يرسي عليه وكلما يقترب منه يخشاه لما اجتازه من تجارب ومواقف خذله فيها من كان يثق بهم ويطمئن اليهم فيظل فى مركبه يلتفت يمينا ويسارا خشية ان تفاجأه الاخطار ممن يحيطون به ..فخيبة الامل تجعل الانسان اكثر تحفظا ، جامحا الى الوحدة حتى ولو كان يحاوطه العشرات ، فإنه يستكين الى نفسه حتى يشعر بالسلام والاطمئنان ، وما ابتسامته مع الآخرين إلا مجاملة لهم ، وعدم الإشتراك فى تجاذب اطراف الحديث بصورة مطلقة يمكنه من استشعار ما يخفيه الاخرين من مشاعر من وراء كلماتهم المنمقة وضحكاتهم الرنانة..
واحيانا هذا المسكين يفقد الثقة فى نفسه المعذبة من جروح الاحباء فيقوم بطرح عدة تساؤلات : هل انا أسأت الاختيار ؟ هل استغل صفاء نيتى الآخرين؟ ام هل كنت بالنسبة لهم مجرد وسيلة للوصول الى ما يبتغون ، هل اندفعت فى مشاعرى واظهرت لهم الكثير من الاهتمام والحب حتى استهانوا بى ؟
فيجد نفسه حائرا بين تساؤلات وإجابات يطرحها على نفسه فى حوار صامت يدفعه الى الانفصال عن مجتمعه لفترة قد تطول
حتى يعيد حسابته وينقى بيدره وحينئذ يمكنه ان يفسح المجال الى آخرين ، اذا استحقوا ذلك ونالوا الاستحسان فى عينيه ولكن هذه المكانة ستكون بحذر وبعد تدقيق حتى لا يفسد حياته مرة اخرى فتكون العواقب وخيمة جدا اذا انخدع ثانية ، فيفسد الأمور ومن وجهة نظرى سيؤدى ذلك الى خلل فى علاقاته ويشوه كل ما هو جميل ويرى الناس هذه المرة كأنهم وحوش لا تكتر ث لشئ إلا نفسها ويمكن – اذا كان قد ضعف لكثرة الردود السلبية – يبدأ فى الانتقام ويتخذ نفس الاسلوب حتى يثبت لنفسه انه ذلك الوحش بدلا من ان يكون الضحية .
فالعلاقات الانسانية معقدة للغاية وذلك لان الناس فقدت الكثير من الصفات الحميدة وسميت الامور بغير مسمياتها فأصبح المكر فطنة ، والانتهازية نجاح والاحتيال ذكاء ، وذلك لان هذه الصفات المكروهة اصبحت للأسف الوسيلة السريعة والمضمونة لتحقيق النجاح الوهمى ، نعم وهمى لأنه حين تنكشف الامور امام اعين النبلاء ويفقدون تقدير واحترام الاخرين وثقتهم فإنهم وبلا شك سيخسرون ذلك النجاح ويكون سقوطهم مريعا ؛ اذا كان على المستوى العملى او الإجتماعى.