بقلم: كلودين كرمة
للانفصال اوجه كثيرة وطرق عديدة منها النافع ومنها الضار ، منها الحتمى ومنها الإختيارى ، منها الشافى ومنها الجارح ايضا ؛ ولكن فى نهاية الأمر ينبغى أن يكون هناك نوعا من الانفصال بدرجة ما حتى تستقيم الأمور ونستطيع أن نستكمل مسيرة الحياة. و هذه الظاهرة نجدها فى صور متباينة وبمسميات مختلفة مثل السفر ، الرحيل ، البعد ، الهجرة ، دواعى الحياة ، ظروف العمل ، فض الشراكة ، الهجران ، الطلاق ؛ الموت …إلخ … وكذلك اسبابه لاتحصى ومنها قلة الوقت ، المشغوليات ، سوء الأحوال الصحية أو المالية ، اختلاف المفاهيم والطباع ، المشاجرات ، الطمع ، الخبث والغش ، الإحساس بإنعدام الثقة والأمان ، البحث عن فرص جديدة مع أناس ذو فكر جديد فى مجتمع مختلف حتى نحصل على ما ننشده من حياة أغنى بالحب وأسعد بالثبات ، للشعور بالاستقرار وهروبا من آلام الماضى و ما سببته لنا من عقد أصبحت هى قوانين لحياتنا ومنبع التشريع والحكم الخاطئ – إن جاز القول -على كل من أو ما نقابله . ويجب علينا أن نضع فى الإعتبار الاختلاف بين الشخصيات وكيفية قبول هذا التغير وتأثيره على سلامة الفكر و صدق المشاعر واستقامة الأحوال و اعتدال السلوك؛ فإن كان الغرض من الانفصال هو تحقيق كل هذه الغايات فإذا لا بد منه حتى نعود إلى انفسنا مرة أخرى ويصبح الكائن وحدة واحدة لا تفكك فيها ولا إعوجاج يصيبها بالتشوه الذى يصعب تجميله فيما بعد والذى يفقدها إيمانها بنفسها وبقدرتها على إدارة دفة حياتها والتصدى ‘للرياح التى تأتى بما لا تشتهيه السفن.’
وإن كان هذا الانفصال سيزيد الأمور سوءا فعند اذا لا بد من وقفة حاسمة ومراجعة الحسابات وطرح العديد.من التساؤلات حول صلاحية هذه الخطوة ، فليس من الحكمة إن تلحق النفس البشرية بنفسها المزيد من الأسى والآلام الذى لا شفاء منهما فتكون قد خسرت ماضيها و ضحت بحاضرها وحطمت مستقبلها ..وكما اقترحنا أنه ينبغى توخى الحذر والدقة والعمل على تعويض الخسارة السابقة ولو جزئيا وهذا نوع من الفطنة والحكمة التى تحمى الإنسان من تدمير نفسه بالكلية مما يصيبه بالهلوسة والأمراض النفسية المزمنة . وفى كلتا الحالتين : المكسب كان أو الخسارة ؛ فهناك مرارة تكمن بذرتها فى عمق أعماق النفس ؛ لأن هذا الانفصال كإقتلاع جذور قوية وثابتة توغلت لسنين طويلة واستقرت وأخذت وضعها بالكامل بداخل النفس والعقل والفكر والوجدان ومست القلب فلابد أن عند نزعها تحدث ألم بالغ الصعوبة لا نستطيع تشبيه أو تصنيفه ، عند حدوث النزيف بسبب هذا الإقتلاع العنيف الذى يصيب النفس بالانهيار الكامل ؛ فهو نزيف يحمل معه كل الآمال و الأفراح التى كانت تلوح لنا فى الأفق ببريقها المضئ وتوعدنا بالبقاء حتى نحصل عليها و تمتلكها ايادينا وتستقر فى اعماقنا وكأنها هى الثقل الذى يثبت أقدامنا ويشعرنا بالتوافق و الإتزان. ولكن من الثابت والواضح انه لم يسلم إنسان على وجه الأرض من ألم الانفصال ولم تنج نفس من تذوق مرارته .. فياله من بحر خضم يجب علينا اعتلاء أمواجه .. فإن فزنا فلنا الحياة وكأننا خلقنا من جديد وإن انهزمنا فليس بالإمكان إلا أن نرضى أن نعيش على الفتات ونعيش فى عالم من نسج خيالنا نسعد فيه بالمعانى السامية ونحمى انفسنا بداخله ولكن مع اصرارنا أن نجد من يشبهنا من أناس تثق فى حسن النوايا وصدق المشاعر حتى نجدهم ونسعد بصحبتهم ولا نصبح فريسة ابدا لليأس ولا عرضة للأمراض النفسية والعقلية ؛ ومن الأمور التى يجب أن ندركها أنه ليس هناك إنسان كامل ولا نحيا مع ملائكة فلكل مخلوق نقاط ضعف وذلة ما ؛ فإن لم نتوهم الخير المطلق والصلاح إللا متناهى سوف لا نتعرض لهذه الأزمات العنيفة ويكون لدينا حجة ونجد عزرا لمن أخطأ الينا ومن هنا فقط نستطيع التعايش مع مختلف الشخصيات ونتقبل أخطاء الآخرين إلى حد ، حتى يمكننا خوض المعارك المختلفة وتحقيق الانتصار دون انتقام وسفك دماء من يظنون إنهم أبرياء.