بقلم: فريد زمكحل
من الواضح أننا أمام مشهد خطير لنظام عالمي جديد بدأت ملامحه في الظهور بدعم صيني صريح للموقف الروسي، الذي حرص الزعيمين الصيني والروسي على إظهاره وتأكيده للعالم من خلال تحالفهما الواضح والقوي لمواجهة الضغوط «الآمري-غربية» في أوكرانيا التي تُعَّد من أهم دول العالم زراعياً وصناعياً، بخلاف مواردها الطبيعية الكبيرة، وهي أكبر دولة أوروبية من حيث المساحة.
ومن هذا المنطلق يمكننا النظر للأزمة الحالية وما يصاحبها من تفاعلات وأفعال غير مسبوقة على أنها البداية الحتمية الفاصلة في تاريخ الصراع الروسي مع «حلف الناتو»، ما قد يفتح الباب لمشاهدة سيناريوهات غير متوقعة في الأيام والأسابيع القليلة القادمة، مع الضعف البيِّن والواضح الذي أصاب حلف الناتو في السنوات الأخيرة، ويُعبِّر عن الجزء الأكبر من واقع هذه التغييرات المحتملة وغير المسبوقة في المسار المتسارع لتغيير مستقبل النظام الدولي الحالي وفق معطيات جديدة فَرضَت وتفرض نفسها على الصراع الدائر حالياً في أوكرانيا، حيث لا مكان للصيغ الرمادية التي تبقى الحال على ما هو عليه بعد الآن، وتطالب بنظام عالمي جديد قائم على أساس التعددية القطبية في حكم العالم وإدارة شئونه، خاصة بعد التغول الروسي المخيف على سلاح الطاقة وحجم المصالح الاقتصادية التي تربط وتجمع بين روسيا وأوروبا، في الوقت الذي لا تملك به واشنطن غير التلويح باستخدامها لسلاح العقوبات وتعطيل خط أنابيب الغاز «نوردستريم 2» الرابط بين روسيا وألمانيا، والوضع الأوروبي المنقسم على ذاته بين الرفض المُعلن للمطالب الروسية التي يراها الاتحاد الأوروبي غير مقبولة، وبين المصالح الاقتصادية المركَّبة التي تجمع ألمانيا وفرنسا مع روسيا.
وفي خضم ذلك المشهد الدراماتيكي وحالة الترقب القصوى والمُراقبة المستمرة من جميع الأطراف، ينتظر العالم أجمع ما سوف تسفر عنه نتائج هذه الأزمة الخطيرة التي باتت تهدد السلام العالمي واستقرار جميع دول العالم.
هذه المواجهة التي جَعلت من «كييف» مسرحاً لبداية الحرب العالمية الثالثة أو بداية تغيير حقيقي لإعادة تشكيل النظام الدولي الجديد على أسس جديدة.
والذي أراه قد بدأ بالفعل بعد الاعتراف الروسي باستقلال «دونيتسك ولوغانسك» المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، الأمر الذي خرج بالأزمة من نطاقها الإقليمي وحوَّلها إلى صراع مفتوح على كل الاحتمالات.
خاصة بعد العملية العسكرية التي أطلقتها روسيا أمس الخميس في أوكرانيا والتي قد تكون المرحلة الأولى في اجتياح كامل وواسع النطاق ضمن عدة مراحل متتابعة، والذي جاء فيها التحرك الروسي على ثلاثة محاور من القرم إلى خيرسون، ومن بيلاروس باتجاه كييف، ومن الشمال الشرقي إلى خاركيف بعد اطلاق حوالي 100 صاروخ باليستي من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى بالاضافة لصواريخ كروز وصواريخ أرض جو وأخرى كانت تُطلق من البحر في الساعات الأولى من الهجوم.
وفي تقديري بأنه لا مجال ولا سبيل هناك لأي رد فعل من جانب الهيئة العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو غيرهما لتغيير الوضع الروسي الفعلي على الأرض في الوقت الراهن داخل أوكرانيا ولن يكون في وسع الولايات المتحدة أو حلف الناتو القيام بأي دور فعَّال لتغيير هذا الوضع الذي يؤكد نهاية صلاحية القطب الواحد في قيادة العالم وبات يُرسِّخ لبزوغ شمس النظام العالمي الجديد القائم على التعددية القطبية في إدارة شئون العالم بدءاً من أمس الخميس 23/2/2022 تاريخ .. لن ينساه العالم!!