بقلم: د. حسين عبد البصير
د. زاهي حواس والمومياوات
عالم الآثار العالمي الدكتور زاهي حواس متعدد الاهتمامات في المصريات. ومن بينها، ولعه الكبير بالمومياوات الفرعونية. ولا أنسى عملي تحت إشرافه في اكتشاف «وادي المومياوات الذهبية» في الواحات البحرية الذي حوَّل الواحات البحرية إلى قبلة السياحة والإعلام في العالم كله منذ هذا الاكتشاف الذي يعتبر من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين. وكان العمل في هذه الحفائر بقيادة الدكتور حواس متعة ليس لها مثيل، وأضاف لي الكثير من العلم والخبرة. ولا أنسى كيف كانت توجيهات الدكتور حواس، الإنسان قبل العالم الكبير والمدير الناجح، تضيف لي الكثير من كل شيء. وبعد أن سافرت لأمريكا للحصول على الدكتوراه في المصريات، بدأ الدكتور حواس كشف أسرار مومياوات الفراعنة.
ونشر الدكتور حواس في كتابه الجديد «مسح الفراعنة: التصوير المقطعي لمومياوات الدولة الحديثة الملكية»، بالمشاركة مع د. سحر سليم، عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، نتائج فحص المومياوات الملكية فى الدولة الحديثة. ويعد الكتاب فتحًا جديدًا في مجال علم المصريات والمومياوات الملكية وتاريخ الدولة الحديثة وحياة ملوك وملكات العصر.
ومن بين الحقائق العلمية في الكتاب نهاية حتشبسوت. ولفترة قريبة لم نكن نعرف كيف انتهت حياتها، ولماذا تم محو صورها وأسمائها من على آثارها حتى جاءت الأبحاث العلمية الحديثة التي قام بها الدكتور حواس على مومياء حتشبسوت.
ومن خلال دراسة ضرس في صندوق أحشاء الملكة في خبيئة المومياوات في الدير البحري، وكل أسنان المومياوات وفحصها بالأشعة، اتضح وجود جزء في أعلى فك المومياء التي تم نقلها للمقبرة رقم 60 بوادي الملوك من مقبرة الملكة رقم 20 بوادي الملوك، وأن هذا الضرس كان يخص هذه المومياء. وتأكد للدكتور حواس أن هذه المومياء الموجودة في المقبرة رقم 60 هي مومياء الملكة حتشبسوت. وأثبتت الأشعة المقطعية أن الملكة حتشبسوت ماتت في سن 55 عامًا، وأنها كانت ممتلئة الجسم، وأنها كانت تعاني من مرض السكر، وماتت بسبب السرطان.
واتضح أن كهنة الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين قاموا بنقل محتويات مقبرة حتشبسوت رقم 20 إلى المقبرة رقم 60 الخاصة بمرضعة حتشبسوت.
وأثبتت الدراسات الحديثة التي قام بإجرائها الدكتور حواس على مومياء الملك رمسيس الثالث والمومياء غير المعروفة في المتحف المصري في ميدان التحرير أنه تم قتل الملك بقطع رقبته من الخلف بسكين حاد. وأثبتت نفس الدراسات الحديثة أن «مومياء الرجل غير المعروف إي» أو «المومياء الصارخة» أو «مومياء الرجل الصارخ» كانت لابن الملك بنتاورت، الذي أُجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته.
وتم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودفن جسده في جلد الغنم الذي كان يعتبر غير طاهر في مصر القديمة، وبناءً على ذلك سيذهب إلى الجحيم في الآخرة.
وتؤكد هذه الأحداث صدق الأساليب البلاغية التي تم استخدامها في نص المؤامرة الأدبي حين أشار إلى أن القارب الملكي قد انقلب، مما يرمز إلى وفاة رمسيس الثالث وصعود روحه إلى السماء. غير أن المؤكد أن المؤامرة قد فشلت بدليل تولى خليفته الطبيعي وولى العهد رمسيس، الملك رمسيس الرابع لاحقًا، عرش البلاد بدلاً من أخيه بنتاورت المتآمر.
إنه كتاب عظيم ومرجع لا غنى عنه لكل المختصين والمتهمين بالملوك الفراعنة. فتحية للدكتور زاهي حواس ود. سحر سليم وفريق العمل على هذه النتائج المذهلة التي غيرت الكثير من معلوماتنا عن ملوك وملكات الدولة الحديثة.
أسرار موت الملوك الفراعنة
تعددت القصص حول موت الملوك الفراعنة. وهناك الكثير من الأساطير التي ارتبطت بنهاية بعض الملوك والملكات الفراعنة!
وتعد نهاية حكم حتشبسوت من الأشياء الغامضة في تاريخ تلك الملكة. ولفترة قريبة لم نكن نعرف كيف انتهت حياتها، ولماذا تم محو صورها وأسمائها من على آثارها حتى جاءت الأبحاث العلمية الحديثة التي قام بها الدكتور زاهى حواس وفريق المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية على مومياء الملكة حتشبسوت وآثار فترة حكمها. ومن خلال دراسة ضرس وُجد داخل صندوق أحشاء الملكة فى خبيئة المومياوات فى الدير البحري، وكل أسنان المومياوات وفحصها بالأشعة، اتضح وجود جزء في أعلى فك المومياء التي تم نقلها للمقبرة رقم 60 بوادي الملوك من مقبرة الملكة رقم 20 بوادي الملوك، وأن هذا الضرس كان يخص هذه المومياء. وتأكد لفريق المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية أن هذه المومياء الموجودة فى المقبرة رقم 60 هي مومياء الملكة حتشبسوت. وأثبتت الأشعة المقطعية أن الملكة حتشبسوت ماتت في سن 50 عامًا، وأنها كانت ممتلئة الجسم، وأنها كانت تعاني من مرض السكر، وماتت بسبب السرطان.
وتعتبر الملكة «نفرتيتى» أكثر الملكات المصريات شهرة في العالم كله. وهي الزوجة الكبرى للملك أخناتون. وقام الفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية برئاسة الدكتور زاهى حواس بالبحث عن مومياء الملكة نفرتيتي، ودراسة المومياويين الموجودتين داخل المقبرة رقم 21 بوادي الملوك، وهي المومياوات التي قام بدراستها وترميمها دونالد راين، وهي مومياء بدون رأس وأخرى بالرأس؟ وسوف يبحث المشروع القادم للفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية عن عظام الملكة موت نجمت زوجة الملك حور محب كي يعقد مقارنات بينها وبين مومياء المقبرة 21 بوادي الملوك لمعرفة هل هذه المومياء تخص الملكة نفرتيتي أم لا. وإلى الآن لم يتم العثور على مومياء الملكة نفرتيتي.
ويعتبر الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون أشهر ملوك الفراعنة في العالم كله. ومن الأشياء المثيرة حول هذا الملك توت سر وفاته. ويؤكد الدكتور زاهي حواس من خلال دراسته لمومياء الفرعون الذهبي، أن أشعة المسح الضوئي والاختبارات الحديثة كشفت أن العمود الفقري لتوت عنخ آمون كان منحنيًا قليلاً، وأن قدمه اليمني كانت مقوسة قليلاً، وكانت قدمه اليسرى مشوهة تمامًا، ولم يُقتل الملك. ومن خلال فحص المومياء، لا توجد أية علامة عن أي إصابة تلقاها الملك خلال حياته في الرأس أو الصدر. وكان لدى الملك العديد من الاضطرابات في قدمه، وربما تكون الحادثة هي سقوطه من عربته الحربية مما أدى إلى كسر في رجله. وكان أيضًا مصابًا بمرض الملاريا. ومن الممكن أن الالتهابات المستمرة تكون قد أضعفت من جهازه المناعي مما جعله يصاب بعدوى الملاريا القاتلة. ولا شيء من هذا وحده أدى إلى وفاته، بل كل هذه الاضطرابات والأمراض تراكمت وأدت إلى وفاته وبسبب ضعفه لم يُنقذ. وتعرض إلى حادثة قبل وفاته بساعات. ومن الممكن أن تكون هذه الحادثة حدثت عندما كان يصيد الحيوانات البرية في عربته الحربية في الصحراء بالقرب من منف. وبسبب ضعفه وإعاقته، استسلم الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون لجراحه مما أدى إلى وفاته.
ومن المعروف أنه كانت للملك رمسيس الثالث زوجة ثانوية باسم «تي». وقامت بمؤامرة ضد حياة الفرعون. وأثبتت الدراسات الحديثة التي قام بإجرائها الدكتور زاهي حواس وفريقه على مومياء رمسيس الثالث والمومياء غير المعروفة أنه تم اغتيال الملك وقطع رقبة الملك من الخلف بسكين حاد، وأن «مومياء الرجل غير المعروف إي» أو «المومياء الصارخة» أو «مومياء الرجل الصارخ» كانت لابن الملك بنتاورت، الذي أُجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته. وتم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودفن جسده فى جلد الغنم الذي كان يعتبر غير طاهر فى مصر القديمة، وبناء على ذلك سيذهب إلى الجحيم في الآخرة.
هذه مصر الفرعونية المليئة بالأسرار!
نهاية حتشبسوت الحزينة
تعتبر الملكة حتشبسوت من أشهر وأقوى ملكات الفراعنة. وكانت حياة هذه الملكة الشهيرة مثيرة. وكان موتها وسر اختفائها من مسرح الأحداث أكثر إثارة.
كانت حتشبسوت ابنة تحتمس الأول والملكة أحمس. وتزوجت من أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني. وأصبحت زوجته الكبرى.
وبدأت ملكة مصر الجديدة بناء مقبرة لها في منطقة بعيدة في غرب مدينة الأقصر الحالية. ثم تركتها إلى مقبرة جديدة تحمل رقم 20 في منطقة وادي الملوك الخاص بدفن الملوك.
وأنجبت حتشبسوت من زوجها تحتمس الثاني ابنة وحيدة هي الأميرة نفرو رع، دون وريث ذكر. ومات تحتمس الثاني بعد فترة حكم قصيرة ـ حوالي 13 عامًا ـ وذهب الحكم إلى ولده تحتمس الثالث، الذي كان ابنًا له من إيزيس، إحدى نسائه من الحريم الملكي.
ونظرًا لأن تحتمس الثالث كان طفلاً، وكانت أمه إيزيس غير مؤهلة للوصاية عليه لأنها ليست من الدم الملكي، قامت الملكة الطموح والقوية حتشبسوت بالوصاية على ابن زوجها لفترة ما، ثم داعبها طموحها وبريق السلطة وروعة العرش وإغراء الحكم، فتصرفت كأنها ملك ذكر، وتم ذكرها في النصوص وتصويرها في المناظر في هيئة الملوك من الرجال.
ولم تنسِ حتشبسوت ابن زوجها تحتمس الثالث، واعتبرته شريكًا معها في الحكم. وقامت بتأريخ الأحداث بسنوات حكمهما معًا بداية من العام الأول لتولى تحتمس الثالث العرش، غير أنها كانت هي فقط الملك المسيطر على الحكم. وفى نهاية حياتها، حصل تحتمس الثالث على مكانة مساوية لها.
وتعد نهاية حكم حتشبسوت من الأشياء الغامضة في تاريخ تلك الملكة الظاهرة. ولفترة قريبة لم نكن نعرف كيف انتهت حياتها، ولماذا تم محو صورها وأسمائها من على آثارها حتى جاءت الأبحاث العلمية الحديثة التي قام بها الدكتور زاهي حواس وفريق المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية على مومياء الملكة حتشبسوت وآثار فترة حكمها.
ومن خلال دراسة ضرس وُجد داخل صندوق أحشاء الملكة في خبيئة المومياوات في الدير البحري، وكل أسنان المومياوات وفحصها بالأشعة، اتضح وجود جزء في أعلى فك المومياء التي تم نقلها للمقبرة رقم 60 بوادي الملوك من مقبرة الملكة رقم 20 بوادي الملوك، وأن هذا الضرس كان يخص هذه المومياء. وتأكد لفريق المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية أن هذه المومياء الموجودة في المقبرة رقم 60 هي مومياء الملكة حتشبسوت.
وأثبتت الأشعة المقطعية أن الملكة حتشبسوت ماتت في سن 55 عامًا، وأنها كانت ممتلئة الجسم، وأنها كانت تعاني من مرض السكر، وماتت بسبب السرطان.
واتضح أن كهنة الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين قاموا بنقل محتويات مقبرة الملكة حتشبسوت رقم 20 إلى المقبرة رقم 60 الخاصة بمرضعة حتشبسوت.
وهكذا فإن تحتمس الثالث لم يقتل عمته وزوجة أبيه حتشبسوت. وربما تم التدمير الذي حدث لآثار هذه الملكة في آخر عهد ابن زوجها تحتمس الثالث وأول عهد ابنه أمنحتب الثاني، لأسباب تتعلق بنظرة الشعب المصري القديم لتولي امرأة حكم مصر.
وتبقى الملكة حتشبسوت سيدة القلوب، وعظيمة العظيمات، وجميلة الجميلات، وأفضل النساء، والمرأة القوية التي هزت الدنيا وغيرت الرياح في اتجاهها، وجعلت الجميع يحنون إجلالاً وتعظيمًا لتلك المرأة التي خلبت الجميع بجمالها، وسحرها، وقوة شخصيتها وثراء الأحداث في فترة حكمها اللافت في تاريخ مصر العظيمة. فتحية تقدير لحتشبسوت على الرغم من نهاية حياتها الحزينة!