بقلم: فـريد زمكحل
في مقال خطير نشر في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية بداية الشهر الجاري، تحت عنوان «ديكتاتورية السيسي غير مستقرة».
قال فيه كاتبه الصحفي «فرانسيسكو سيرانو» أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعلَّم الدروس التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي أفرط في نظامه القمعي طوال 30 عاماً حتى سقط سريعاً في 18 يوماً فقط.
ويعتقد الكاتب بأن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى سدة الحكم عام 2014 هو الأكثر قمعاً وعنفاً من حيث الحجم الممارس ضد المصريين في السنوات القليلة الماضية، وهو ما يؤكد على أن خوف النظام المصري برئاسة السيسي هو من خروج الحشود لتملأ الشوارع مرة أخرى وهو هاجسه الأكبر.
وقد عدّد الكاتب نقاط الإختلاف بين النظامين الاستبداديين على حد وصفه .. بأن نظام مبارك سمح بترك مساحة للمعارضة الخاضعة للرقابة لكنه لم يرحب بأي معارضة من شأنها تعريض سيطرته للخطر وكانت قوات الأمن في عهده تقوم بشكل روتيني بتعذيب المشتبه بهم لإرهاب غيرهم من المواطنين.
لكن مبارك رغم افتقاره للرؤية السياسية البعيدة الأمد إلا أنه أدرك أهمية وجود سبل شرعية تحت سيطرة الدولة لرفع الضغط عن المواطنين من خلال صمامات أنشأت خصيصاُ لتنفيس المصريين طالما أنها لا تستهدفه بشكل مباشر وتسمح بوجود أصوات لإنتقاد صعوبات المعيشة اليومية في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وكان ذلك من أهم أسباب بقائه في السلطة لثلاثة عقود متواصلة بحسب رأي الكاتب الذي وصف الأحداث التي وقعت سنة 2011 بالتجربة الديمقراطية القصيرة التي شكلت انقطاع وقتي قصير للقيادة الأبوية الطويلة المدى للجيش على مصر وعلى الحكم.
حتى وصل الرئيس السيسي لسدة الحكم وبدأ في تقليص كل أشكال الخطاب العام والمعارضة معتقداً بأن السماح بوجود مثل هذه المساحات مهما كانت صغيرة تعتبر من أكبر الأخطاء الفادحة للرئيس مبارك ونظامه ما دفعه دفعاً للقضاء على أي مساحة للاعتراض في الفضاء العام مستخدما القوة الكاملة للأجهزة الأمنية في الدولة رغبة منه وسعياً نحو نزع الطابع السياسي عن المجتمع بالكامل على حد قول الكاتب.
وكانت البداية مع جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها وسريعاً ما امتدت وسائل القمع لتشمل أي شخص أو حركة سياسية تحاول أن تقوم بطرح بعض التساؤلات عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الراهن. فالمعارضون السياسيون والنشطاء العلمانيون والحقوقيون والفنانون والصحفيون والأكاديميون وحتى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي من غير السياسيين أصبحوا معرضون جميعاً لمخاطر الاعتقال في حال خروجهم عن النص العام والسائد للدولة بأي شكل من الأشكال، وقد وصل الأمر بالنظام إلى شن حرب على الأطباء المصريين وغيرهم من العاملين في مجال الصحة وسط جائحة كورونا بدلاً من الأخذ والرد في الخطاب السياسي، وهو ما أطلق عليه الكاتب مسمى سياسة «القومية الخبيثة» ونسب ميلادها للرئيس السيسي، والتى ظهرت وتظهر بشكل شرس سواء في الطريقة التي تروج بها الحكومة ووسائل إعلامها وأنصارها لانجازات النظام أو في الطريقة التي يسخرون بها من أعداء الرئيس المفترضين… الأمر الذي وصل بالرئيس المصري لربط الولاء له ولنظامه من قِبل المواطن بالولاء لمصر..
وأختتم الكاتب مقاله بوصف «ديكتاتورية السيسي» باعتبارها غير مستقرة وتفتقر إلى الثقة بالنفس، نظراً للجوئه الدائم لاستخدام خراطيم المياه الكبيرة لإخماد الحرائق الصغيرة… في إشارة إلى استخدام النظام المصري للقمع والقوة المفرطة أمام جميع أشكال الاعتراض.
ويخلص الكاتب في نهاية مقاله إلى أن الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى زوال نظام مبارك لم تكن نتيجة القمع غير الكافي على عكس ما يعتقد السيسي، وإنما كانت نتيجة التدهور المستمر للحياة الاجتماعية والاقتصادية للمصريين وفشل الدولة البوليسية في إيجاد الحلول المناسبة والمرضية لها ولكل المشاكل الحياتية المعاشة ويعاني منها المواطن المصري .. وهو ما ينتهجه ويقوم به نظام السيسي اليوم ويعمل على تسريع تراكم الطاقة الحتمية ضده على حد قول الكاتب.
وهو ما سوف تقوم إدارة الرئيس الأمريكي الجديد «بايدن» باستخدامه على الوجه الأمثل في الأيام والأسابيع القليلة القادمة ضد النظام المصري وفقاً لتصريحات الرئيس الأمريكي وإدارته المباشرة أو غير المباشرة منذ دخوله للبيت الأبيض..
وللحديث بقية….