بقلم: تيماء الجيوش
كان لا بُدَّ للمشرع و القانون الدولي أن يتنّبه الى دور المدافعين عن حقوق الإنسان في ظل ظروفٍ دوليةٍ مختلفة و مُعقّدة في أحيانٍ كثيرة تؤدي الى أزمنةٍ من الحروبٍ و الصراع السياسي و الأمني الداخلي و الخارجي و بما يتبعها من آثارٍ مترتبة على المدنيين ، أمنهم، سلامتهم و حقوقهم. و على هذا أصدرت الجمعية العام للأمم المتحدة الإعلان العالمي الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان في العام ١٩٩٨ و الذي أشار إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان هم الأفراد و الجمعيات و الجماعات التي تساهم في القضاء على انتهاكات حقوق الإنسان و الحريات الفردية الأساسية كما أن لهم دور هام في تنفيذ المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
إذاً وفقاً للإعلان يعود مصطلح المدافعين عن حقوق الإنسان و يُستخدم في توصيف عمل الأشخاص الذين يعملون فرادى أو جماعات بهدف حماية و تعزيز حقوق الإنسان ، أي تعزيز الحقوق المدنية والسياسية وحمايتها الى جانب تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعدم خرقها. و هي لا تقتصر على فئة اجتماعية محددة بل تتناول حقوق فئات متعددة ، حقوق المرأة ، وحقوق الأطفال ، المعتقلين و الاختفاء القسري، ضحايا التعذيب، وحقوق السكان الأصليين ، وحقوق اللاجئين والمشردين داخليًا ،حقوق المعاقين ….الخ.
هذا العمل بطبيعته يفرض مبدأ عدم الانحياز و وتيرة واحدة من أجل جميع الضحايا دون أي تمييزٍ عرقي ، ديني،مُعتقد ، جندر، رأي سياسي و ما يقتضيه ذلك من وعيٍ لمساعدات و مسؤوليات يسندها القانون الدولي . .
لم يغفل عن المُشرّع الدولي حين تناول قنونة حماية المدافعين دور و مسؤوليات أشخاصٍ لمهامهم الوظيفية تأثيرٍ مباشر على الآخرين في معرض ممارستهم لحقوقهم و منهم ضباط الشرطة، المحامين و النواب العامين و القضاة.
فنصّتْ المادة ١١ من الإعلان على أن:
«لكل فرد، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، الحق في الممارسة القانونية لحرفته أو مهنته، وعلى كل فرد يستطع بحكم حرفته أو مهنته، أن يؤثر على الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للآخرين، أن يحترم تلك الحقوق والحريات وأن يمتثل للمعايير الوطنية والدولية المتصلة بقواعد السلوك أو الأخلاق الحرفية والمهنية».
مع الحرب الأهلية و الصراع السياسي المسلح في عددٍ من البلدان و منها السورية كان ما يحدث مخالف لما سعى إليه القانون الدولي. قوارب اللجوء غصَّ بها البحر المتوسط كما فاضت بها الحدود في أوروبا . كانت التقارير التي تُشير إلى معاقبة التعاطف مع طالبي اللجوء و المُهاجرين أثناء ذلك من المفارقات المؤلمة قانونياً و إنسانياً. بات المدافعون عن حقوق الإنسان يتعرضون للملاحقة القانونية و المضايقة جراء قيامهم بإنقاذ الأرواح من الغرق و توزيع الماء و الملبس و المأوى. بعض المدعون العامون و أفراد الشرطة كانوا على قدرٍ من الشراسة عندما أساؤوا استخدام السلطات القانونية و التنفيذية الممنوحة لهم .استهدفت إجراءاتهم المنتهكة للقانون الدولي كُلٍ من طالبي اللجوء اللذين عدّوهم مصدراً للتهديد ليس إلا ، فغابت فكرة منحهم الملاذ و السماء الآمنة ليحل محلها خلط الأوراق ، و بذات الدرجة استهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان و إتباع إجراءات تهريب الأشخاص و مكافحة الإرهاب وعرّضتهم لأخطارٍ حقيقية مضاعفة عوضاً عن احترام قواعد القانون الإنساني و اتفاقيات جنيف و إعلان المدافعين عن حقوق الإنسان ممن كانوا الخط الأول في تقديم المساعدة عندما أخفقت حكومات بأكملها من القيام بواجبها و تنفيذ التزاماتها الدولية تجاه طالبي اللجوء و المهاجرين. أصبح هؤلاء المدافعين عُرضةً لحملاتٍ من التشهير و التحقيق و الاعتقال.
سارا مارديني إمرأة سورية، هي سباحة و منقذة بحرية. قررت اللجوء وشقيقتها الى ألمانيا كنتيجة للحرب الأهلية في سوريا في العام ٢٠١٥ في قاربٍ مطاطي (بلم) سعته خمسة أشخاص لكن عدد اللاجئين فيه تجاوز العشرين ذلك المساء و منهم طفل يبلغ الرابعة من عمره. الرحلة التي كانت ستستغرق نصف ساعة استغرقت ثلاثة ساعات و نصف تخللها عطل في المحرك أدى إلى توقف القارب في عرض البحر و من ثم تسرب المياه إليه من جوانبه مما يعني حتماً الغرق في وقتٍ وجيز. من اجل إنقاذ الجميع و بحسب وصف سارا لوسائل الإعلام أتُخِذَ قراراً سريعاً بجر القارب و السباحة به حتى الشاطئ . سارا و يسرى الشقيقتان قررتا المشاركة بهذه العملية باعتبار خبرتهما في المياه و السباحة . لم يكن الأمر سهلاً، ارتطمت الأمواج العالية بهم و سببت كدمات و ازرقاقاً، بل و صدمة عانت المرأتان من آثارها رغم وصولهما سالمتين مع بقية من كان في القارب . تمّ تكريمهما لاحقاً لشجاعتهما في برلين . في العام ٢٠١٦ بدأت سارا مارديني العمل كمتطوعة مع منظمة يونانية لإغاثة اللاجئين.
في العام ٢٠١٨ و أثناء قيامها في جولة مناوبة مع زملائها ( شون بيندر) على شواطئ ليسبوس اليونانية تمّ اعتقالها مع زملاءٍ لها على الرغم من احترامهم للقوانين و الأنظمة و تسجيل عملهم التطوعي بشكل قانوني مع كافة مرفقاته . أُخذوا للتحقيق و صودرت أغراضهم الشخصية ووسائل اتصالهم و اعتبروهم مجموعة خاصة غير شرعية بل شبكة تهريب . بناءً على ذلك تمّ اعتقال سارا لمدة مائة يوم ( سجن احتياطي) بعد إخلاء سبيلهم تواجه سارا التهم التالية:
١- الانتماء لمنظمة إرهابية ٢- تجسس.
٣- احتيال. ٤- تبييض أموال. ٥- الاتجار بالبشر.
عُقِدتْ المحاكمة بتاريخ ١٨ تشرين ثاني للعام ٢٠٢١ التي ما لبثت أن عُلِقتْ إلى أجلٍ غير مُسمى بعد إعلان القاضي عدم اختصاص المحكمة نظراً لأن أحد المُدعى عليهم محامٍ.
وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية و الإعلام ،فما وجهه لهم النائب العام من تهمٍ قد تصل العقوبة المحتملة فيها الى الحبس لمدة خمس و عشرين عاماً ناهيك عن الغرامات المالية و أتعاب قضائية و محاماة. كما و تتفق منظمات حقوق الإنسان و العديد من المؤسسات القانونية بأن الدعوى كيدية و القصد منها هو ترهيب عاملي الإغاثة و المدافعين عن حقوق الإنسان. و هي تتسق الى حدٍ كبير لما يمليه خطاب الكراهية، اليمين العنصري المتطرف المناهض لطالبي الهجرة و اللجوء.
سارا هربت من حربٍ أهلية لتجد نفسها أمام محاكمة غير عادلة تنتفي فيها الأدلة على التهم المنسوبة إليها، تعاني من الضغط المادي و النفسي . جرمها الوحيد أنها أقدمت على عملٍ شجاع أنقذت فيه أرواحاً من الهلاك لم تتركهم لأن يكونوا جثثاً يتم انتشالها من البحر المتوسط. لم تقف عند هذا الحد بل أكملت مسيرتها كمتطوعة تُقدم الماء و الأغطية لمن أخذ البحر سبيلاً يبحث عن الأمن و السلام بعيداً عن الرصاص و الموت. علقت أحلامها و ما تطمح إليه جانباً كي تُكمل و تجبر ما توانت الحكومات و الهيئات الرسمية عن القيام به. هو إرهاب موجه ضد المدافعين عن حقوق الإنسان و عاملي الإغاثة بهدف إغلاق الحدود في وجه من يحتاجهم.
حتى هذه اللحظة سارا مارديني ممنوعة من دخول اليونان مما حرمها حقها في حضور جلسة المحاكمة التي عُلِقتْ إلى أجلٍ غير محدودة و لا تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة و معظم خطوات الإدعاء فيها غير قانونية. ما حدث ل سارا هو خرقٌ و انتهاك للمعاهدات الدولية و عدة بنود من الإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، أين هو الالتزام بالمعاهدات الدولية و تنفيذها؟ .