بقلم: محمد منسي قنديل
عنوان غامض، مجرد توقيت عابر، ولكن يجب التوقف عنده لنرى إلى اين تؤدي بنا رياح التغيير التي تهب على عالمنا..
في هذا اليوم الذي صعدت فيه، كان قمة جبل «مونت رويال» مزدحمة على غير العادة، جو بارد ينذر بالمطر، وبقايا ثلوج تحيط بجذوع الاشجار، وتنام على الدرج الخشبي الذي يصعد بنا للأعلى، عدة مئات من الدرجات تصعد بك من قلب مدينة «مونتريال» المزدحم للقمة، زوار الجبل أكثرهم من الشباب، بنات واولاد في ربيع العمر، معظمهم من الطلبة، بعضهم مازال يحمل الحقائب على ظهورهم وحول اكتافهم، لحى الاولاد غير محلوقة، وشعور فتيات مسترسلة، تتطاير مع الهواء، وبعيدا عنهم توجد اعداد كبيرة من رجال الشرطة، يحيطون بالمكان في حذر، يتركون مسافة بينهم وبين الزحام، يلقون على الجميع نظرات صارمة، لا يحاولون اظهار أي نوع من الود، لكنهم لا يمنعون أحد من الدخول أو الخروج، ولكن عند الاقتراب من جمع الشباب يمكنك أن تشم رائحة المخدر المميزة بوضوح، لم يبددها هواء الجبل البارد، ولم تغلبها رائحة الاعشاب البرية أو الظربان الكريهة الرائحة الموجودة اسفل حاجز الجبل، ادخنة مائلة للزرقة، تنبعث من مئات السجائر المشتعلة والجوانات الزجاجية، دخان يعبق الصدور الشابة ويجعل عيونهم زجاجية ومبحلقة، كلماتهم بطيئة تصاحبها ضحكات خفية متواطئة، ولكن تزيد من حميمية العلاقات المعلنة، البعض يتبادل الادخنة من خلال القبلات، وآخرون مستغرقون في عناق طويل، لحظة غرامية دامت وتواصلت، المخدر يطيل المشاعر ويجعلها أكثر علانية، هناك دفء غريب رغم أن الشتاء مازال يترك بصمته على المكان، الاشجار التي تملأ السفح المنحدر للمدينة خالية من الاوراق، اغصان عجفاء رمادية اللون ومثيرة للحزن، كانت هذه تظاهرة المشاركة فعالة في اليوم العالمي لتدخين الماريجوانا بمعرفة سلطات المدينة وربما تحت رعايتها.
اليوم هو العشرون من ابريل، 20/4 ، الساعة الرابعة وعشرون دقيقة 4:20 هو الموعد الذي اتفق عليه جميع المدخنون كي يطلقوا انفاس الماريجوانا في لحظة واحدة، ليس في مونتريال فقط ولكن في العديد من مدن كندا، ومعظم المدن في امريكا خاصة التي تحتوي على جامعات كبري، والعديد من المدن الاوربية التي اباحت هذا المخدر، هولندا والمانيا وبريطانيا، وبعض مدن امريكا اللاتينية، وولايات معينة في الهند والعديد من المعابد الهندوسية في آسيا، ولكن أكثر الاماكن التي اثارت الاهتمام هو الاحتفال الذي اقيم في كولومبيا، في مدينة ميدين بجانب قبر بابلو اسكوبار، ملك تهريب المخدرات وواحد من اكثر اغنياء العالم واكثرهم نفوذا اثناء حياته، فقد تمكنت السلطات الكولومبية بمعاونة المخابرات الامريكية من قتله عام 1993، الآن يتحول قبره إلى مزار لهواة المخدرات ويصبح رمزا مضافا للتمرد، مناسبة شبة عالمية شئنا أو ابينا، وهي مناسبة غريبة ولا يوازيها في غرابتها إلا الاستعراض الضخم الذي يقوم بها المثليون جنسيا كل عام في شوارع مونتريال.
اختيار الرقم 420 مازال غامضا رغم أنه بات واسع الانتشار، وأصبح بديلا عن كلمة المخدر، يكفي ذكر الرقم حتى يفهم التاجر والمستهلك ماهو المقصود، ولكن المؤكد أن مصدر الرقم هو ولاية كاليفورنيا، ولكن هل هو رقم احد المباني التي كان يسكنها واحد من أكبر المهربين ، أنه رقم موجة اللاسلكي التي تستخدمها شرطة لوس انجلوس المتخصصة في مقاومة المشاكل التي يثيرها الشباب، الشرطة تنقي ذلك، ولكن الرواية التي اصبحت سائدة هي ما رواه احد كبار الصحفيين لجريدة النيويورك تايمز عن القصة خلف اختيار اليوم والتوقيت.
بدأ الأمر بسبب مجموعة من طلبة المدارس الثانوية، وليس الجامعة، من مدرسة سان رفائيل في شمال كاليفورنيا، كانوا يجتمعون كل يوم بعد انتهاء المدرسة في الرابعة والثلث تحت تمثال للعالم الفرنسي الشهير لويس باستير ليدخنوا الماريجوانا، واطلقوا على انفسهم لقب «والدوس» الذي يطلق على الاشخاص المنفردين، بدأ هذا التقليد في بداية السبعينات عندما كان تدخين الماريجوانا محرما في كل انحاء العالم، ولكن ريح التغير لم تترك شيئا على حاله، فقد امتد تمرد الستينات في ثورة قادها الشباب ضد القوالب الابوية الجامدة، وكان ابرز مظاهرها هو الحرية الجنسية واستخدام المخدرات كنوع من الاحتجاج ضد كل ما يحدث في العالم من حروب، خاصة حرب فيتنام، وانتشرت احتفالات التدخين بين العديد من الدول حتى التي لازالت تحرم المخدر، كل ما تفعله السلطات هي أنها تترك هذا اليوم وتلك الاحتفالات تمر في سلام، ورغم أن تدخين الماريجوانا اصبح مباحا في ثمان ولايات أمريكية، ولكن المدافعون عن الاباحة يقولون أنه مازال امامهم عمل كبير، فهم يريدون تغيير القوانين الفيدرالية برمتها، لأن الماريجوانا لا زالت موجودة على رأس جدول المخدرات مثل الهيروين، وهم يركزون على الجانب الطبي من استخدامها خاصة في علاج امراض السرطان وهو يخفف من الاحساس بالألم، ولكن يبدو أن ترامب غير مقتنع بهذا الامر حتى الآن.
هل يمكن أن يتم المطالبة بإباحة الماريجوانا في عالمنا العربي، حدث هذا بالفعل..
فرغم الجهود والاموال التي تصرف في مكافحة المخدر فإن معدل استهلاكه في تزايد مستمر، واصبح يضم شريحة واسعة منها طلاب المدارس، لأن كثرة الاموال التي يجنيها المهربون تغري الكثيرين بالمشاركة في هذه التجارة بما فيهم رجال الأمن انفسهم، ولبعضهم دور اساسي في افشال كل خطط مكافحة المخدرات، وقد تم مؤخرا ضبط أحد القضاة وهو يقوم شخصيا بتهريب المخدرات من سيناء للقاهرة، وكانت الصدفة وحدها هي التي اوقعته في ايدي الأمن داخل النفق، والآن هناك دعوات صريحة وواضحة لإباحة زراعة المخدرات واباحة الاتجار بها، وهي جزء رئيسي في برنامج أحد المرشحين عن الانتخابات النيابية في منطقة البقاع الشمالي في لبنان، وهذه المنطقة تعد من افقر المناطق ومن الصعب أن تصل يد الأمن إليها، ولكنها تنتج اجود انواع الماريجوانا، دون شغل أو مجهود، فكما يقول الفلاحون يكفي أن تحرث الارض وتلقي بالبذور وتسقيها بقليل من المياه حتى تنمو هذه النبتة الشيطانية وتفرض سيطرتها على بقية المحاصيل، وقد ازدهرت إلى حد كبير أبان الحرب الاهلية، واصبح هناك ملوك للتهريب واقاموا علاقات مع ملوك الكارتل في كولومبيا، وكالعادة كان هناك حلف غير مقدس بين الجماعات المتحاربة وتجار المخدرات، ومع انتهاء الحرب جرى تحريم هذه الزراعات ولكنها استمرت خفية، ومع تدهور الأوضاع في سوريا المجاورة وانشغال الجيش اللبناني فرض حزب الله حمايته على العديد من المناطق فازدهرت الماريجوانا وامتدت منتجاتها إلى مصر والخليج العربي ومن الصعب السيطرة عليها مرة أخرى وهاهي الدعوات ترتفع من واحد من اهم المجالس النيابية في عالمنا العربي من اجل اباحتها، فهل نشهد إقامت مهرجان 4:20 في لبنان قريبا؟