بقلم: علي عبيد الهاملي
تقول الحكاية إن أحد الملوك تأخرتْ زوجته في إنجاب ولي العهد، فأرسل في أثر الأطباء من كل أرجاء المملكة. وشاء الله أن يُجري شفاء الملكة على أيديهم فحملتْ بولي العهد، وطار الملك بذلك فرحاً، وأخذ يعدّ الأيام لمقدم الأمير، ولكن عندما وضعت الملكة وليدها كانت دهشة الجميع كبيرة، فقد كان المولود بأذن واحدة! انزعج الملك لهذا، وخشي أن يصبح لدى الأمير الصغير عقدة نفسية تحول بينه وبين كرسيّ الحكم، فجمع وزراءه ومستشاريه وعرض عليهم الأمر، فقام أحد المستشارين وقال له: الأمر بسيط أيها الملك. اقطع أذن كل المواليد الجدد، وبذلك يتشابهون مع سمو الأمير! أُعجب الملك بالفكرة، وصارت عادة تلك البلاد أنه كلما وُلد مولود قطعوا له أُذنا. وبعد عشرات السنين غدا أفراد المجتمع كلهم بأذن واحدة. وحدث أن شاباً حضر إلى المملكة من بلاد أخرى، وكانت له أذنان، كما هو الأصل في البشر كلهم، فاستغرب سكان المملكة من هذا الوافد الجديد، وجعلوه محط سخريتهم، وكانوا ينادونه بذي الأذنين، حتى ضاق بهم ذرعا، وقرر أن يقطع أذنه ليصير واحداً منهم.
إجماع الناس على شيء لا يجعل من هذا الشيء صوابا، فالخطأ يبقى خطأ ولو فعله كل الناس، والصواب يبقى صوابًا ولو لم يفعله أحد. لا تقطع أُذنك. هذه هي النتيجة أو الحكمة التي تخلص إليها الحكاية، ولكن إلى أي مدى يمكن أن تحدث هذه الحكاية على أرض الواقع في مجتمعاتنا، أو تتشابه معها حكايات أخرى؟
هذا هو السؤال الذي نطرحه هنا، ونحاول أن نبحث له عن إجابة. والإجابة ربما نجدها في كثير من المواقف التي نمر بها في حياتنا، كأن يذهب أحدنا إلى دائرة حكومية، أو وزارة من الوزارات، أو شركة من الشركات، بغرض إنجاز معاملة ما، فيرى أمامه طابورا طويلا من المراجعين، ولأنه في عجلة من أمره، كعادتنا جميعا، فإنه يقوم بتخطي الطابور، أو يلجأ إلى البحث عن «واسطة» تساعده في إنجاز معاملته دون المرور بفترة الانتظار التي من المفروض أن يمر بها احتراما للذين جاؤوا لإنجاز معاملاهم قبله، وعندما تسأله: لماذا تفعل هذا؟ يجيبك: أكثر الناس يفعلون ذلك!
«أكثر الناس» هذه لا تعني أن ما يفعلونه هو الصواب على المطلق. بل العكس ربما يكون هو الصحيح، فكلمة «أكثر الناس» لم تأت في القران الكريم إلا وتبعتها كلمات «لا يعقلون.. لا يعلمون.. لايشكرون.. لا يفقهون.. لا يؤمنون». هكذا تقرر الحكاية، وهو تقرير له وجاهته. سياسة القطيع هذه هي التي أهلكت أقواما، وقوضت ممالك، وأبادت حضارات سادت وهيمنت على مواقع القرار في الكرة الأرضية قرونا عدة، لكن أهلها انساقوا إلى تبرير الخطأ على قاعدة أن «أكثر الناس» يفعلون ذلك، فانتكسوا وكان الزوال والدمار مآلهم.
هل تذكرون حكاية جحا وابنه والحمار مع الناس، الذين كانوا يطلقون ألسنتهم انتقادا طوال الطريق الذي كانوا يسلكونه من قريتهم إلى المدينة التي كانوا يقصدونها؟ لم يعجبهم جحا وابنه عندما ركبا على ظهر الحمار سويا، واعتبروها قسوة من الأب وابنه على الحيوان المسكين. وعندما أنزل جحا ابنه وركب هو وحده اعتبروا ذلك ظلما من الأب لابنه الصغير، وقسوة عليه. وعندما نزل هو وأركب ابنه وحده اعتبروا ذلك عقوقا وعدم احترام من الإبن لأبيه. وعندما أنزل ابنه ودخلا المدينة راجلين، بينما كان الحمار يمشي خلفهما، متخففا من أي حمولة، اعتبروهما أحمقين، يمشيان على اٌقدامهما ويتركان وسيلة ركوب متاحة لهما تسير خلفهما متبخترة. لهذا قال جحا لابنه مقولته الشهيرة التي ذهبت مثلا: «إرضاء الناس غاية لا تُدرَك».
لا تقطع أذنك لمجرد أن «أكثر الناس» آذانهم مقطوعة. حاول أن تعرف الحقيقة، فليس «أكثر الناس» غالبا هم الذين يفعلون الصواب، ولو كان هذا صحيحا لما بعث الله الأنبياء والرسل إلى الناس كي يهدوهم إلى الصواب، و «لكن أكثر الناس لايعلمون».