بقلم: أ.د. ناهدة العاصي
في خطابه بيوم الإستقلال ال ٧٦ للبنان، وبعد ٣٧ يوماً على قيام الحراك الشعبي، بدأ الرئيس ميشال عون خطابه بالتأكيد على أن الوقت وقت عمل، وختمه بتهديد مبطّن لكامل الشعب اللبناني عن احتمال قيام حرب أهليّة شبيهة بحرب عام ١٩٧٥ إن استمرّ الحراك. لقد أقرّ في خطابه إن الفساد هو الخطر الذي يهدّد المجتمع اللبناني ومؤسساته واقتصاده، وإن التحدّيات كبيرة وخطيرة، وإن الظرف الراهن يستوجب قيام حكومة جديدة تحاكي تطلّعات الشعب وتكون على قدرٍ كبير من الفعاليّة والإنتاجيّة والنظام ما يعني الحوار مع الحراك الشعبي للإطلاع على مطالبهم الفعليّة وإيجاد السبل لتنفيذها كأسلوب لحلّ الأزمات. كما وأكّد على ضرورة وجود سلطة قضائيّة مستقلّة ومنزّهة وشريفة لحل الأزمات الناتجة عن السياسات الإقتصادية الخاطئة والفساد والهدرفي الإدارة على مدى عقود من الزمن.
لكنّه أخطأ حين اتّهم المواطنين جزافاً بأنّهم يستعملون خطاب الكراهية في الحراك وهو يعرف أنّ هذا فِعلُ مندسّين أهدافهم معروفة. كما وأخطأ حين اعتبر أنّه على الجيل الجديد أن يتّعظ من تجربة أجداده الذين عانوا الويلات إثرَ الحرب الداخليّة المدمّرة التي قضت على شبابهم ومعظم أحلامهم في سبيل الحفاظ على وجودهم، واعتبر أنّه على الحراك أن يحمل نفس الأمانة للحفاظ على السلم الأهلي، مهدّدا بعبارة «والعبرة لمن اعتبر».
يا فخامة الرئيس، هل جديدك في يوم الإستقلال هو وصف ما تفتقر له حكومتك من مقوّمات ضروريّة لاستمرار البلد؟ أنتَ والشعب بأكمله يدرك تماماً أنّ ما ذكرت هو ما استفزّ الحراك الشعبي المستمر حتى الآن. نحن اللبنانيون نتوقّع من رئيس الجمهوريّة أن يكون صانع قرار، وصانع القرار يقترح الحلول ويعطي وعوداً جدّيّةً، وإلا ما الفائدة من انتخابه؟ صانع القرار لا يعِد الشعب بمحاورة بعض قياديّيه ومن ثمّ يقفل الطرقات في وجه مَن يريد أن يحاوره ولا يتوعّد ويهدد بخراب البلد إن استمرّ الحراك الشعبي.
يا فخامة الرئيس، غريبٌ أنك لم تعرف أو ربّما لا تريد أن تعرف أن في الحراك الشعبي النابض جيلين متمّمين لبعضهما البعض، الأول من الذين عاشوا الحرب الأهليّة التي ذكَرتَ وتعلّموا منها الكثير، والآخر من الشّباب القادر على التعلّم من خبرات الأسبقين ووضعها بقالب متجدّد. جيلٌ يتمتّع بمستوى فكري وذكاء تحليلي عالي المستوى، كما وإستقلالية وجرأة لا يمكن قمعها أبداً. جيلٌ ذو أفكار خلّاقة وقدرة رائعة على احتواء وتفسير ألاعيبكم المراد منها إفشال الحراك وعلى إيصال أفكاركم ونواياكم المبيّتة لكافّة فئات الشعب. الحراك الشعبي قال نفس كلمتك وأكّد على ضرورة إلغاء الطائفيّة السياسيّة، ووقف عمليّات النهب من قِبلِ الطاقم السياسي لكل مشاريع الدولة، وإستعادة المال المنهوب من خلال حلّ رموز الفساد، وإصلاح النظام الضريبي، وتحييد الجهاز القضائيّ عن التسييس، وضبط الفساد في القطاعات الإنتاجية، وغيرها. هم يعون ما يقولون ويرون الحلّ في حكومة تكنوقراط بصلاحيات استثنائيّة بهدف الإصلاح الإقتصادي والإصلاح السّياسي معاً وليس بحكومة تكنوسياسيّة كما تريدونها للحفاظ على مكتسباتكم. لماذا تقفون أنتم حجر عثرة في وجههم؟ ومن الذي يدفع حقّاً باتجاه الحرب الداخليّة؟ حاولتم … وفشلتم وستفشلون!
الإستقلال الحقيقي هو في استقالة الحكومة وتسليم السلطة لذوي الكفاءة والرؤيا والإستراتيجيّة الذين يتّصفون بالنزاهة والشفافية والإخلاص، وما أكثرهم في الحراك! في النهاية عليك يا فخامة الرئيس أن تتذكّر أن نصف الشعب موجود في الحراك وكلمته هي الأقوى بينما الذين أوصلوا طاقمك إلى المجلس النيابي يشكّلون فقط ٣٠٪ من الشعب الناخب. هيّا أعطِ الحقّ لأصحابه ليقوموا بعمليّة الإصلاح الحقيقيّة والطويلة في آنٍ معاً، فالمماطلة لن تنجح في إيقاف الحراك ولا إعاقته، لكنّها ستطيله أكثر، لكن نفَس الشعب أطول!