بقلم: كلودين كرمة
إن الإنسان منذ لحظة ولادته يبدأ حياته بالبكاء الشديد وكأنه يعرف ما سوف يلاقيه على هذه الارض أو على دراية مما تخبأه له الأيام ؛ فمنذ نعومة اظافره يتعرض الى الكثير من الآلام النفسيه أو العضوية وهى التى تدفعه الى التعبير عنها بالصراخ وإن كان عقله لا يدرك تماما ما يدور من حوله وكذلك لا يعى المخاطر ولا يتوقع ما الذى يقرره والديه بشأنه أو الطبيب فيما يخص حالته الصحية.
وعند بداية إدراكه البسيط لما يراه او يستشعره فنجده يضحك تارة ويصرخ تارة أخرى؛ فمثلا عندما يرى شخصا محبوبا الى نفسه فإنه يندفع نحوه ، اما إذا لقى شخصا غير مرغوب به فإنه يبدى استيائه الشديد ويظهر رغبته فى الابتعاد عنه.. ومن هنا يبدأ الرفض والقبول ويثبت حقه فى الاختيار ويأبى أن يفرض عليه اى شخص وضع لا يقبله هو .. رغم إن عقله فى هذه المرحلة العمرية لا يدرك بعد أبعاد الأمور ولا تكون هناك مسميات واضحة أو تصنيف علمى أو قواعد أدبية قد درسها تتحكم فى ردود افعاله … ولكن بفطرته يحافظ على جميع حقوقه ويدافع عنها بكل ما أوتى من قدرة ؛ وكل مرحلة ولها بالتأكيد فاعليتها. ومن هنا يتضح لنا أن “ الإختيار “ حق موروث ويورث دون وصية أو قانون… فماذا يحدث اذا نزع من الإنسان هذا الحق ؟.
دعونا نتخيل معا الحياة دون حرية الرأي و الفكر والتعبير وكذلك حرية اتخاذ القرار .. فإن خضوع رغبة “ الإختيار “ لقوانين سياسية او اجتماعية¬ تحت أى مسمى هو شكل من اشكال القهر..وليس على المستوى الشخصي فقط بل الإجتماعى والأخطر على الإطلاق أن يمارس هذا النوع من القهر على المستوى السياسي والدولى ايضا !. الكل يسعى ويشقى فى هذه الحياة الدنيا وإن اختلفت الاهداف وتعددت الأسباب وتنوعت التطلعات والغايات ، وما ضمرت النوايا. وأحيانا كثيرة امام التحديات التى لا حصر لها والصعوبات والمشاكل المتتالية يفقد الإنسان بهجة الحياة الحقيقية ، و يمكن له أن يستمتع بما حققه من ثروة أو جاه أو نجاحات ولكن هذا الاستمتاع يكون كاذبا وهذه السعادة تكون مضللة لأنه فى كثير من الأحيان يضحى الإنسان باستقراره النفسى و العاطفى – وهما فى حقيقة الأمر الدعائم الثابتة للسعادة الحقيقية لأنها لا تعتمد على المتغيرات – حتى يحقق طموحاته التى لا نهاية لها ..نعم اننا لا نستطيع أن ننكر أن المركز والجاه والثروة لهم سطوة و يفتحون كثيرا من الأبواب المغلقة ولكن فى المقابل قد يخسر الفرد أهل وأصدقاء و أحباب لصعوبة التواصل معهم لضيق ذات الوقت ، و ايضا يفقد الكثير من الراحة النفسية ويعانى أمراض شتى ويذهب النوم عنه بعيدا لكثرة انغماسه فى مجالات الحياة المختلفة محاولا أن يجد حلولا ومخرجا لأزماته التى تقابله بطبيعة الحال وتعوق مسيرة نجاحه. ولكن للأسف ليس هناك من بديل فإننا لا نستطيع إن نوقف دوران الدائرة المستمر وإلا ستتعطل و يمتد ضررها لينال من الجميع ، فكل الأطراف المعنية ستلحقها الخسارة وكأننا لم نسع منذ البداية ويضيع الجهد والمال آخذين معهم الصحة والنجاح ويسببان أزمات نفسية نتيجة للإخفاق و عدم القدرة على الثبات والمواجهة ؛ فما ان ابتدأنا وإتخذنا قرار الإطلاق فلا بد أن نصل إلى الغاية ونصيب الهدف مهما كلفنا الأمر وإلا يتغلغل إلى نفوسنا الإحساس بالفشل الزريع والإحباط الذى فى مقدرته أن ينهى حياتنا ببطئ يسبب الكثير من الألم وكأنها طعنات غائرة لا أمل فى الشفاء منها. ومن هذا المنطلق يتحتم على الإنسان أن يبقى متيقظا يسعى نحو الهدف ؛ يجاهد في سبيل تحقيق النجاحات الواحدة تلو الأخرى وينتقل من دائرة الى دائرة أكبر فيضاعف مجهوداته ولا يكل من السعى و بذل الذات و الكثير من الوقت والمال حتى ينتقل الى دائرة أكثر إتساعا و أبهى ، بريقا فإذ نجح يكون هذا دافع له للاستمرار وليس للطموح نهاية وبخاصة حين يحالفه الحظ ويحظى الإنسان بالتقدير والاحترام من كل المحيطين به فتكون هذه غايته وقد حققها فيسعد بحصاد تعبه ولا لوم عليه فقد اكمل سعيه ونال مكافأته وأضاف حياة الى أيامه بكثرة إنجازاته .