بقلم: الدكتور عبد العليم محمود
1- ما هو الصداع؟
الصداع هو ألم في الرأس أو الرقبة، والسبب الرئيسي لكل أنواع الصداع غير معلومة وقد يتحسن معظم الأشخاص لو غيروا أسلوب حياتهم وتدربوا على كيفية الاسترخاء أو بتناولهم أدوية له.
وهناك الصداع التوتري الذي ينشأ من تصلب العضلات بالكتفين أو الرقبة أو بفروة الرأس أو الفك… وهذا سببه الإجهاد والاكتئاب والقلق… وقد يكون لكثرة العمل أو قلة النوم أو الأكل أو تناول المسكرات أو تعاطي الحبوب المخدرة، وتناول مادة تيرامين بالشيكولاتة والجبن والمكسرات، أو مادة جلوتامات أحادي الصوديوم، التي توضع باللحوم المحفوظة كلها مواد قد تولد الصداع.. والأشخاص الذين يتناولون مادة الكافيين في الشاي والبن والكولا يمكنهم الشعور بالصداع لو لم يتناولوا جرعاتهم اليومية التي اعتادوا عليها.
2- أين يتركز الصداع؟
ومن الأماكن الشائعة لتولد الصداع نجد الرأس، من المناطق الحساسة لأنها تضم الدماغ والعينين والأذنين وعظام الجمجمة وعضلات الوجه والجيوب الأنفية والشرايين وغيرها … وكل هذه الأعضاء قد تكون سبباً للصداع.
3- هل هناك أماكن أخرى؟
وهناك بعض الأعضاء البعيدة عن الرأس التي يمكنها أن تثير نوبة الصداع.
إن الصداع “ألم الرأس” النابض لمن أكثر الأمور إزعاجاً، فضلاً عن أنه من أكثر الأمراض شيوعاً، فعدد الذين يأتون إلى عيادات الأطباء شاكين من أعراض الصداع يفوق عدد الذين يشكون من أي مرض آخر .. ونسبة 1/10 من الناس يشكون من الصداع.
وكثيرون منهم قد تناولوا علاجات مختلفة.. واحتملوا عمليات جراحية خطيرة، للتخلص من الألم الشديد الذي يرافق الصداع، لكن دون جدوى … إذ يبقى صداعهم كما هو عليه قبل العملية، لأن ألم الرأس هو من أكثر الأمور إزعاجاً عند الإنسان.
إن تشخيص الصداع وتحديد معالجته، لا يزالان من المشاكل الصعبة التي تشغل الأطباء، والتي تدفع بالمريض إلى تغيير عدد من أخصائي الطب…
لتشخيص الصداع حاليًا يستعمل الأطباء الفحص العام الدقيق لجسم المصب، مع الإطلاع على تاريخ مرضه بطريقة صحيحة ومفصلة.. كما أننا نستعمل الفحص المختبري الذي قد يساعدنا على تشخيص الخلل، أو اللجوء إلى استعمال الأشعة الضوئية “X” إكس، أو تخطيط الدماغ عن طريق الآلة الكهربائية، وحديثًا نستعمل ما يسمى بأشعة سكانر.
في الحقيقة ليس الصداع مرضاً قائماً بذاته، بل يدخل الصداع كأحد العوامل المرضية لمرض آخر خفي يجب البحث عنه، للوقوف عليه ولمعالجته … وهذا ما يجعل معالجة الصداع صعبة، ويدفع الكثيرين إلى تناول الكثير من المواد الطبية والعلاجات المخدرة والمسكنات مما يساعد على الإدمان، وقليلاً ما يكون الصداع ناتجاً عن مرض الدماغ … وأكثر الأسباب تكمن في اضطرابات الأوعية الدموية، أو اضطرابات في الغلاف السحائي للدماغ، أو العضلات التي توجد في الرأس على الجهة الخارجية.. فالصداع مشكلة اجتماعية ويجب علينا معالجة السبب لأن معالجة الألم فقط لا تجدي نفعاً.
إذا كل العلاجات الطبية والعقاقير التي يتناولها المتألم تبقى فاشلة في حال عدم الكشف عن السبب الذي أدى إلى هذه الآلام الصعبة.. كل استمرار لهذه الآلام كما نعرف تعرض صاحبها لاضطرابات عديدة تؤثر على استمراره في الحياة، لذا على الطبيب في حال مثول المريض المتألم أمامه أن يحاول الكشف عن سبب الألم، لأن كل علاج للسبب ينتج عنه الشفاء الكامل لهذا الألم… وكل جهل للأسباب التي أدت إلى الألم مع حصر العلاج بالمهدئات والمسكنات المتعددة ينتج عنه انهيارات عصبية قد تكون خطيرة.
الصداع مزعج للغاية.. وهو يحصل في أي وقت أو في أي فترة من فترات النهار وقد يدوم أياماً وأشهراً … وينتج عنه إرهاق لصاحبه.. وللمجتمع أجمع وقد كتب الكثير حول الأعراض السلبية التي ترافقه لكنه يبقى صعب العلاج مما يؤثر سلباً على حياة المصاب بهذا المرض.
الصداع يصيب بعض الناس وهو ينهك أعصابهم ويدمر حياتهم ويؤثر على مستقبلهم… ورغم كل التقدم الذي حصل في مجال الطب وفي معالجة هذه الآلام فإن الصداع لا يزال يشغل صاحبه لأن أكثر العلاجات لا تزال غير جذرية… وقد لا تنجح خلال فترة الصداع الحادة وبما أن أكثرها لا يتعدى المسكنات والمهدئات فإن حالة المريض قد تتأزم من كثرة المهدئات ومن كثرة الألم الذي لا يفارقه .. ومن كثرة الأعراض السلبية التي ترافق فترات الصداع .. وهنا قد يفكر بعضهم باللجوء إلى الانتحار المتعمد للخلاص من هذه الحياة الشاقة، والمملة نتيجة عدم وجود علاج صحيح وسليم يضع حداً لأكثر هذه الآلام الشديدة والمنهكة للقوى الجسدية والعقلية لدى كل مريض.
4- ما هي أنواع الصداع؟
أسباب الصداع متعددة ومختلفة ومن هذه الأسباب نذكر:
1- الصداع الناتج عن إجهاد للنظر، نتيجة ضعف يجب معالجته بسرعة خوفاً من تفاقم عملية الصداع وذلك باللجوء إلى استعمال النظارات المناسبة للتخفيف من إجهاد عضلات العين، مما يساعد على التخفيف من شدة الألم..
2- كما أن القراءة على ضوء كاف يخفف من إجهاد النظر .. والرؤية ومن ثم الصداع.
3- الصداع الناتج عن التهابات مزمنة قديمة مثل: التهابات المجاري والجيوب الأنفية، التهاب اللوزتين التهاب لحميات الأنف.
4- الصداع الناتج عن فساد الأسنان.
5- الصداع الناتج عن التهاب الأذن في حال السباحة والغطس.
6- الصداع الناتج عن فصول معينة في السنة، ويكون نتيجة مرض الحساسية.. أي ردات فعل سلبية نتيجة التعرض للعوامل التالية: الغبار .. رحيق الأزهار والأشجار .. القش والأعشاب.
7- الصداع المزمن والمستمر على مدار السنة والسبب قد يكون أيضاً عامل الحساسية نتيجة التعرض إلى : غبار المنزل .. فرو القطط .. شعر الكلاب .. شعر الخيل .. ريش الدواجن والعصافير .. صوف الخروف والماعز.
لكن أشد أنواع الصداع ألماً هو ذلك الناتج عن العصب التوأمي وألمه يشبه الحروق، ويصعب التخلص منه كالآلم عن التهاب الأعصاب..
ولحسن الحظ أن الإصابات بهذا النوع من الصداع نادرة جداً، ولا يقدر على معالجتها إلا الجراح الخبير بجراحة الدماغ والأعصاب..
أما أكثر أنواع الصداع شيوعاً فهو النوع الناتج عن تمدد الأوعية والشرايين الدموية الشعرية في الرأس، والألم يكون غالياً من النوع النابض أي يأتي على دفعات متناسقة مع النبض، فجأة تتمدد الأوعية في الرأس لسبب لا نعرفه فتضغط الأعصاب الحساسة التي تسبب الألم الحاد، وهذا قد يحدث على جانبي الرأس، لكن في الغالب يحدث الألم جانباً فقط ويتورد الوجه على ذلك الجانب، وتتمدد الأوردة..
وهناك أيضاً الصداع النصفي أو الشقي، وغالياً ما يصيب النشيطين الأذكياء والمثقفين الذين يتوقون الكمال أو يتوقون الوصول إلى اقرب درجة من الكمال في أعمالهم .. ولباسهم وسلوكهم “ولهذا يلقب بمرض نابهي العقول”، والمصابون به قد يصابون بتشويش حاد في جهازهم الهضمي وهؤلاء كثيراً ما يقبلون أن تُجرى عليهم عمليات جراحية تُستأصل فيها بعض أعضائهم .. لكن دون جدوى، إذ يبقى الألم ويستمر والجراحة لا تنفع في حالات كهذه، لأنه استنتج أنها صادرة عن إجهاد عصبي .. ونشدد على أن الصداع يصيب الذين لا يطيقون أن يروا شيئاً في غير موضعه، فتتوتر أعصابهم باستمرار وخاصة إذا لم يبلغوا الحد الذي توخوه فيحسبون أنهم قد فشلوا..
النساء أكثر تعرضاً له من الرجال، وذلك لأن عقل المرأة أرهف حسًا وأدق اتزانًا، للقيام بأعمال تفوق مقدرتهن الجسدية والعصبية…
قد ينحصر الصداع في جانب واحد من الرأس فقط، لكنه بالرغم من اسمه يمتد إلى الجانب الآخر.
وقد يبدأ الألم ما فوق العيون، ثم يرتفع إلى أعلى الرأس، ومن ثم يتجه إلى أسفل العنق، وقد يحدث اضطراباً في الرؤية، وتشويشاً للنظر؟
والنساء المصابات هن اللواتي يبالغن في التدقيق في الأمور فيستنفدون جهودهن في تنظيف المنزل، إلى درجة ما فوق اللازم، ويشدون على أن يكون أولادهن من المتقدمين في كل شئ، وأن يصبحوا ملائكة أطهار، ونساء كهؤلاء يبقين متوترات الأعصاب دائماً.. هذه العوامل تعمل على إحداث الأعراض السلبية للصداع، وليس من علاج لهذه الحالة سوى تغيير مجرى حياة الإنسان بشكل يصبح أكثر واقعية، مما يعمل على تخفيف التوترات العصبية ومن ثم الصداع.
قد يأتي الصداع نتيجة ارتفاع في الحرارة الداخلية للجسم، والألم هو نتيجة تأثر غلاف سحايا الدماغ.
يدوم الصداع بين 12 – 24 ساعة.
الصداع الناتج عن كسر في جمجمة الرأس.
وقد يكون السبب بعض اضطرابات الجهاز الهضمي والكبد.
إذاً الصداع مرض قديم من القرن الأول ما قبل الميلاد، مزعج حتى عصرنا الحاضر، وهناك حوالي مليوني شخص في فرنسا أي نسبة 10 – 15 يشكون من أعراض الصداع .. مما يشكل مشكلة اجتماعية، أما في بلادنا فإن الصداع على اختلاف أشكاله تبلغ نسبته الـ 15%..
ومازال الأطباء يتساءلون ماذا يحدث ..؟ وما العمل..؟
وهذه التساؤلات تبقى في أكثرها دون أي جواب مقنع لتعثر اكتشاف السبب لأنه إلى جانب الأعراض التي تنتج عن مرض عضوى يمكن معالجته .. ومن ثم يمكن القضاء على ألم الرأس ، هناك الأعراض التي تكثر والتي تنتج عن مشاكل سيكولوجية، ولذا فإن الذين يشكون من الصداع وآلام الرأس المختلفة يعيشون في المدن بحيث إن نسبة التألم ترتفع كثيراً، وتخف هذه النسبة في القرى النائية حيث الحياة السهلة والبعيدة عن أكثر أنواع الضوضاء والضجيج والمشاكل العادية..
حتى عند الأطفال والأولاد فإن نسبة الشكوى من الام الرأس تكثر في المدن، دون أن نعرف السبب!! وقد يعود ذلك كما ذكرنا إلى الفرق الشاسع الذي تتطلبه حياة المدن وحياة القرى.
إذاً مهما تبدلت أنواع الصداع فإن حصولها عند الكبار والصغار خاصة تصبح مشكلة اجتماعية تحتم علينا معالجتها للتخفيف من وطأة الألم الذي يحد من نشاط كل منا..
على كل حال فالصداع كما يجزم أكثرهم هو وراثي، ولا ينتج عن مرض عضوى .. وقليلاً ما يتأثر بالأعراض السلبية التي تحدث في الجسم رغم أن بعض الأطباء يلقى على الأعراض العصبية أهمية كبرى في حصول الصداع.
يمكن القول إن الصداع مرض قائم بذاته ويحصل من فترة إلى أخرى، ويدوم أحيانا أياماً أو أشهراً عديدة .. وقليلاً ما يتأثر بالأعراض المرضية التي تحدث عند المصاب بالصداع، لكن الاضطرابات والتوترات العصبية التي تحدث عند المريض بالصداع قد تؤزم الألم وتصعد من حدته.
كثيراً من آلالم الرأس التي تحدث عن الصغار والكبار خاصة قد تأخذ طابعاً شبيهاً بالصداع، لكن عدم التحقق من قبل الطبيب المعالج لوجود الصداع عند أحد أفراد العائلة واكتشافه بعد اللجوء إلى الفحوصات الطبية لمرض عضوى يُبعد تشخيصه لمرض الصداع، ويدفعه إلى التفكير بأن الألم الذي تحدث في الرأس ما هو إلا نتيجة المرض العضوي الذي يشكو منه المريض.. وكل علاج صحيح لهذا المرض وكل اختفاء لآلام الرأس يبعد تشخيص الصداع..
لذا أمام أي ألم في الرأس علينا التحقق من عدم وجود أمراض عضوية سببت ألم الرأس الذي حدث وعدم جود الصداع عند أحد أفراد العائلة.
ولنا تكملة العدد القادم