حوار بقلم/ السعداوي الكافوري
يعتبر الشاعر السعودى حمد الرشيدى واحدا من أهم الأصوات الشعرية فى فضاءات المشهد الشعرى العربى المعاصر حيث صدرت له مجموعة كبيرة من الأعمال الشعرية التى تؤكد وبجلاء على تفرد مشروعه الشعرى إعتمادا على موهبة كبيرة ولغة رصينة وبناء شعرى رصين محكم ومتماسك ورؤية تستلهم الماضى وتشتبك مع الواقع وتستشرف أفاق المستقبل ناهيك عن إهتماماته بالشأن الثقافى العام فى تجلياته الأدبية والفنية .. جريدة الرسالة إلتقت به وكان لها معه هذا الحوار :
س: ماذا عن نشأتك الإجتماعية ومصادر تكوينك المعرفى وبمن تأثرت من الشعراء العرب ؟
ج: أنا من أسرة بدوية الأصل ، ومن مواليد شمال الحجاز بالمملكة العربية السعودية ( ضواحي مدينة خيبر الشمالية ). لكن أهلي تركوا حياة البادية منذ مطلع السبعينيات الميلادية ، كغيرهم من الأسر والقبائل السعودية الأخرى التي تركت حياة البادية متوجهة للمدن والقرى المجاورة لديارها الأصلية، حيث أصبحت حياة البادية غير مجدية بالنسبة إليهم ،لما فيها من عدم الاستقرار وعدم توفر الخدمات الحكومية الكافية لحياتهم في ذلك الزمان، كالمدارس والمستشفيات ونحوها.ولذلك رأوا في حياة القرية والمدينة ما يلبي احتياجاتهم من أسس الحياة العصرية الحديثة ولوازمها. لم أعش كثيراً من حياة البادية مع والدي ووالدتي واخوتي وانما تركناها مبكرا وتوجهنا للاستقرار في إحدى المدن المجاورة. أي أني تركت حياة البادية حين كان عمري لا يتجاوز سبع سنوات تقريبًا. وبعد أن حصلت على الثانوية العامة في أواخر عام ١٩٨٧ م توجهت للرياض وأكملت دراستي في ( البكالوريوس) بجامعة الملك سعود بالرياض حتى تخرجت منها حاصلا على بكالوريوس العلوم/ تخصص جيولوجيا. وقد التحقت بعد تخرجي من الجامعة بالسلك العسكري وتم تعييني ضابطا في أحد القطاعات العسكرية بمدينة الرياض ،حيث عملت في خدمة وطني ما يزيد عن ٢٥ سنة حتى تمت إحالتي على التقاعد برتبة عقيد ولله الحمد. وأحمد الله سبحانه على أن وفقني لخدمة وطني الغالي في هذا المجال بالشكل المشرف.هذا كله فيما يخص نشأتي الأولى وجوانبها الاجتماعية والعملية والعلمية . أما فيما يتعلق في الجانب الثقافي والأدبي في حياتي فأعتقد أنه يحتاج لوقت طويل وشرح مستفيض قد لا يتسع المجال لذكره هنا. لكن – عموما- أنا بدأت مشواري الأول مع الشعر منذ ما يزيد على ٤٠ سنة ، أي منذ مطلع الثمانينيات الميلادية تقريبا. وكغيري من المثقفين والأدباء فقد كانت بدايتي مع القراءة والاطلاع، وكنت حريصا جدا على شراء الكتب واقتنائها وقراءتها. ومن هنا بدأت دائرة اهتمامي بالمعرفة تتسع تدريجياً حتى كتبت الشعر ( النبطي) وهو الشعر الشعبي بلهجة سكان المنطقة، ثم توجهت فيما بعد لكتابة الشعر العربي الفصيح وكان عمري وقتها تحت سن الثامنة عشرة أو ما يقاربها. أما فيما يخص تأثري بالشعراء – كما ورد في السؤال- فأقول:ليس هناك شعراء معينون تأثرت بهم، فجميع من قرأت لهم من الشعراء ، وخاصة الكبار منهم تأثرت بشعرهم وأُعجبتُ به، سواء كانوا شعراء قدامى أو كانوا من شعراء العصر الحديث! لكن لا أنسى هنا أن أذكر بأني نشأت في أسرة معظمهم شعراء، فوالدي -رحمه الله تعالى – شاعر وله دواوين شعر منشورة ومطبوعة وهو من أشهر شعراء عصره، وكذلك كان بعض أعمامي وأفراد أسرتي من محبي الشعر وحفظته ، وهذا يعني أن المناخ الأسري الذي كان يحيط بي هو مناخ شعري بطبيعته!كما لا أنسى أيضا أن أذكر أن والدي كان له اهتمام جيد بالكتب ولا بأس به ، حيث كانت لديه مكتبة صغيرة في منزلنا تحتوي على بعض الكتب التاريخية والدينية في غالبها.كل هذه الأمور بالتأكيد أنها ساهمت في توجيهي الثقافي والأدبي والمعرفي منذ سنين حياتي المبكرة.
س: القارئ لأعمالك الإبداعية يدرك منذ الوهلة الأولى أن لديك إرتباطا وجدانيا مدهشا بالوطن بمفرداته الحياتية والمجتمعية … فما هو السر وراء هذا الإرتباط ؟
ج: بالتأكيد أن للوطن في وجدان الشعراء أهمية كبيرة قد لا يوازيها شيء آخر. وهذا أمر طبيعي، خاصة أني ابن لوطن يضم الحرمين الشريفين ، أقدس بقعتين على الأرض من فضل الله تعالى.ودواويني الشعرية التي صدرت لي خلال الثلاثين سنة الماضية تعبق برائحة الوطن وترابه وأهله.
س: ماذا عن علاقتك بالحركة النقدية وهل تشعر بأن إبداعاتك قد نالت الإهتمام النقدى الذى يليق بها ؟
ج: لا أستطيع – حقيقة – أن أحكم على ما قدمته في المجال النقدي على أساس أنه “ نقد” بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة أو المصطلح. أنا فعلا قدمتُ “ قراءات أو مقاربات نقدية “ كثيرة جدا ، تم نشرها في كثير من الصحف والمجلات السعودية والعربية ، هي أقرب ما تكون “ قراءات تفسيرية ذاتية” أو انطباعية ،قد لا تتفق في بعض الأحيان مع ( النقد المنهجي) أو ( الأكاديمي) . وأعتقد أنها وجدت أصداء جيدة ومقبولة لدى عامة المتلقين أو القراء.
س: ماذا عن الجوائز والتكريمات فى مسيرتك الإبداعية ؟
ج: حصلت على عدة جوائز في الشعر والرواية والقصة القصيرة ، لعل أهمها جائزة مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض التي حصلت عليها سنة 1999م عن روايتي التاريخية المعنونة بـ” شوَال الرياض” وهي رواية أدبية تاريخية تتحدث عن تأسيس وتوحيد المملكة العربية السعودية على يد جلالة الملك الراحل / عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله تعالى.
س: القارئ لإنتاجك الأدبى يدرك منذ الوهلة الأولى مدى تأثرك الكبير بمسألة الرحلة وموضوع الترحال ويبدو جليا أنك قد زرت بلدانا كثيرة فهل كانت لهذه الرحلات أثر فى تجربتك الشعرية ؟ وماهى تجليات السفر فى إنتاجك الأدبى ؟
ج: نعم أنا من محبي السفر والترحال داخل بلدي وخارجه! وهنا – بالمناسبة – يحضرني ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله من شعر عن السفر ،حين قال: …وسافر فللأسفار خمس فوائدِ” وقد عدّدَ هذه الفوائد بأنها” تفريج همّ واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد”.
ولذلك فإني حريص أثناء سفري لأي مكان أو بلدٍ على زيارة أبرز معالم هذا البلد أو ذاك، كالآثار – مثلاً- والمتاحف والأماكن التاريخية، والأماكن السياحية الجميلة!
وقد ألّفت عدة كتب في مجال اكتشاف المواضع التاريخية والجغرافية الناتجة في معظمها عن رحلاتي وتجوالي وزياراتي الميدانية لمثل هذه المواقع، كما هو مبين في كتابي “ مكان وتاريخ” وكتابي “ خيبر” وكتابي “ الجيولوجيا الإنسانية” وغيرها.
س: فى ظل التفكك الذى يضرب الوطن العربى وحالة الوهن التى يعيشها العرب كيف ترى القاهرة وما هو إنطباعك عنها كحاضرة للثقافة ومنارة للمعرفة على مدار الأزمنة ؟
ج: والله لا استطيع الحديث عن مدينة عربية إسلامية عظيمة كالقاهرة بسهولة ، والحديث عنها ليس بالأمر الهيّن ،فقد كانت ولاتزال وستبقى القاهرة منارة للعلم والعلماء ومنبعا للثقافة والفكر والإبداع في كافة مجالات الحياة ، وأنجبت من العلماء والأدباء والمثقفين والمفكرين والمبدعين ما يعجز القلم واللسان عن ذكره، قديماً وحديثاً. هي فعلاً عاصمة “ أُم الدنيا” كما يسميها كل من عرفها! وهذا لا يعني أننا نهضم حق البلدان الأخرى ونصيبها من الإبداع والتفوق والتميز الثقافي والمعرفي، حيث يوجد مبدعون ومتميزون في مجالهم من أبناء الوطن العربي ،لكن “ مصر” لا أحد يجادل في تصدر نسبة كبيرة من أبنائها للعلم والثقافة والمعرفة ، لدرجة أن بعضاً من أبنائها قد حصدوا جوائز عالمية علمية وأدبية وبعضهم تسنم مناصب دولية رفيعة المستوى لا يكاد ينافسهم فيها أحد من أبناء البلاد العربية الأخرى، مثل: نجيب محفوظ وأحمد زويل و بطرس غالي وفاروق الباز وغيرهم.
س: ما رأيك فى الأطر والروابط والتنظيمات التى تعنى بالأدب وبشؤون الأدباء ؟
ج: هذا السؤال أرى توجيهه للمسؤولين عن هذه “ التنظيمات” فهم أدرى مني في هذا الأمر.ورغم أني لم اكن في يوم من الأيام أحد العاملين في مجال تنظيم الكتب والمعارض إلا انه يمكنني الإجابة على هذا السؤال بالشكل الذي اعتقد أنه يليق به، فأقول: إن تنظيم مثل هذه الفعاليات يختلف من بلد الى آخر، ويعتمد -أساساً- على شيئين أساسيين هما : التخطيط المسبق أولاً لمثل هذه الفعاليات وكيفية إدارتها ، ثم التنفيذ ثانيًا وما تتطلبه هاتان المرحلتان من جهد ومال! وأحياناً حسب ما يعرفه المختصون يكون نجاح أي عمل مبنياً على تحصيل الحد الأدنى من النجاح وليس على تحقيق الحد الأعلى منه! فالخطأ وارد ومحتمل في كل ما يقدمه الانسان وهو عرضة للنقصان ، لكن لكل مجتهد نصيب، وعلى المرء أن يقدم ما بوسعه أن يقدمه، والباقي عند الله!ولا بد هنا من استشعار المسؤولية! فهي في غاية الأهمية لدى قيام الانسان بأي عمل يُكلَف به!
س: من وجهة نظر مثقف هل تعتقد أن عصر الكتاب الورقى – كوعاء ناقل للمعرفة – قد إنتهى وأن المستقبل قد صار فى قبضة الكتاب الإلكترونى أم أنك لازلت تراهن على صمود الكتاب بشكله التقليدى أمام منتجات الحاسوب وأدوات وأنساق المالتيميديا الحديثة ؟
ج: لا ، لم ينتهِ عصر الكتاب الورقي ، بل لا يزال موجوداً حتى الآن، وله مكانته التي لا زال يحظى بها لدى عامة الناس ، فهو ( الأصل ) أما الالكتروني فهو ( الصورة ) .أما على مدى
المستقبل البعيد فمن الملاحظ حالياً تراجع مد الكتاب الورقي أمام مد الكتاب الإلكتروني بشكل واضح ، ومن المتوقع فيما لو استمرت العلاقة بين الكتابين على هذا النحو مع مرور الزمن أن يتلاشى الورقي في مقابل تسيد الكتاب الإلكتروني لذائقة قراء المستقبل.