بقلم/ أسماء أبو بكر
أسماءٌ مزخرفة، وصورٌ ذات بهجةٍ مستعارة، وكلماتٌ رنانةٌ مقتبسةٌ من كتبٍ ربما لم يقرأها من نشرها! هذه بوابتك لدخول العالم الرقمي وبصورةٍ خاصة منصات التواصل الاجتماعي، الآن يمكنك أن تمتلك بوقًا خاصًا تفرج به عن نفسك، من خلال نشر ما يروقك، ولكن أظن أن كثيرين نسوا وضع قانونٍ لأنفسهم في هذا العالم الافتراضي.
ربما يأخذني الحديث عن منصات التواصل إلى سنواتٍ ليست بعيدة؛ فما زلت في مطلع العشرينات لكن بعض المواقف التي حدثت لي في مرحلة ما قبل الجامعة جعلت مني شديدة الحرص من التوغل في هذا العالم.
منذ بضع سنين كانت المرة الأولى التي أدخل فيها إلى هذا العالم؛ فأحيانًا في البيوت ذات التقاليد الخاصة، يرون أن التواصل مع الغرباء تحت أي ظرف يشكل خطرًا على الفتيات، خاصة اللاتي ما زلن في طور المراهقات، لكن الفضول يقودنا – أحيانًا – إلى الهاوية ونحن لا ندري!
سريعًا فتحت الموقع وبدأت أُدخل بياناتي وأنا كلي أمل أن أخوض تجربةً جديدةً، اخترت صورةً لطفلة صغيرة مع وضع اسمي؛ لأدخل هذا العالم لعلي أجد ما يقلل شعور الفراغ، ولعلني أجد نفعًا أو هكذا خيلت لي نفسي.
صفحاتٌ مليونيةٌ وشخصياتٌ ذائعة الصيت! هكذا ظهرت لي المقترحات فور دخولي، كنت أتابع كل ما أراه مثل الظمآن الذي وجد سرابًا وراح يطارده ليروي ظمأه، ومن هنا كانت بداية الصدمة الكبرى. صفحة أحد نجوم الفن ومن لهم جيشٌ من المعجبين والمعجبات، لكن موقفًا بدر منه من خلال الصفحة لم يرضني، وحسبتُ أنني يمكنني أن أذكر رأيي من دون أي ضرر؛ فقد علمونا أن الاختلاف في الرأي لا يفسد حبل الود.
تسارعت نبضات قلبي وارتعشت أطرافي وأنا أكتب أول تعليق لي، وهو نقدٌ بسيط فأنا بالطبع من معجبات هذا الفنان، لكن هذا لا يعني أننا لا ننتقد من نراه جيدًا، وكتبت جملتي ويا ليتني لم أفعل، ما إن نشرت التعليق حتى تغير لون أيقونة الإشعارات وبدأت صافرات الإنذار ووجدت الكثير من الردود التي تهاجمني، وكأني تحدثت على ذاتٍ مقدسة، ولم ينتهي الأمر إلى توبيخي بل كان للسباب والانتقاص مني ومن رأيي نصيبُ الأسد.
كانت البداية والنهاية في آنٍ واحد، أغلقت الحساب وأصبحت قلقة بشأن هذا العالم المُقنَّع فكلٌ يقول ما يحلو له، وربما تتحدث في الطب وأنت خبرتك الطبية أنك مرضت فزرت المستشفى، وترى الكثيرين محللين للسياسة والاقتصاد والدين وكل دورهم في الحياة أنهم متابعون للقنوات الفضائية.
ربما في العالم الواقعي لا تستطيع أن تحدد حجم من ينتقدك لتعرف إن كان أهلًا لذلك أم أنه متنمرٌ يضيع وقته في السخرية من الآخرين، لكن ماذا عن «خريجي مدرسة الحياة، وأميرةٌ على عرش القلوب» إنها أسماءٌ لا تعرف من أصحابها لكنك ترى فِعالهم التي تقتل في قلوبنا الكثير.
هذه الحملات التي دشنتها الدولة وخاصة ما يخص المؤسسة التعليمية، والتي تواجه التنمر والذي زادت حدته بعد انتشار هذه المنصات؛ لأن السخرية باتت عاملًا لجلب الشهرة والمال أحيانًا، كل وظيفتك في الحياة أن تسخر من الآخرين: من ملابسهم، ومن طريقة حياتهم، بل ومن لهجتهم أيضًا وهذا نوعٌ آخر من الجهل بثقافة الآخرين.
لا أريد أن أكون ذاتيةً في حكمي فهناك دائمًا وجهٌ آخر لكل شيءٍ حولنا، فعلى الرغم من وجود السلبيات التي تحيط بهذه المنصات، لكن لها من الإيجابيات الكثير؛ فهي تشكل حقًا إعلامًا شخصيًا قد ينقذك أحيانًا من مشكلتك، وباتت تسهل الكثير علينا مثل صلة الرحم، وتجمع الأصدقاء وخاصةً أولئك الذين سافروا خارج الوطن؛ حتى لا نُشعرهم بوحدتهم، لا أريد هدم صرح التواصل الرقمي، لكن يمكن أن نرمم هذه الشروخ، لعلنا نصل إلى عالمٍ يحترم الآخر.
إنَّ السخرية من لهجة أهلنا في الصعيد والأرياف ليست من صور الكوميديا بل إنها دليلٌ على الجهل بثقافة الآخرين التي تشمل: اللهجة، والملبس، ونمط الحياة، وطريقة التفكير، علينا أن ننظر إلى أن وقتنا هو الحصوة الصغيرة التي تشكل جبل عمرنا؛ فإن أضعناها فيما لا يفيد سقط صرح العمر كأنه جبلٌ منسوجٌ من صوف الخراف.
باتت هذه المنصات أمرًا حيويًا لا غنى عنه حتى في العملية التعليمية، هذا صحيح، ولها ثمرةٌ باتت تظهر بلا شك، لكن يجب أن ننظر دائمًا إلى السئ مخافة الوقوع فيه؛ فلعلنا الآن مثل إنسانٍ يسير حول حديقةٍ عاليةٌ أشجارها فينظر إلى السماء ليراقب الطير المنشد فوق الأغصان، وإذا ببالوعةٍ تهوي به أرضًا؛ فلا طال سماءً حلم بها، ولا أرضًا خاليةً من العثرات.
أحلم أن يصير هذا العالم الرقمي عالمٌ من الصور المبهجة التي تستحق حقًا أن تكون بصمةً إنسانية، يكون أكثر نقاءً من عالمنا الحقيقي، أحلم أن يحترم كلٌ منا الآخر.