بقلم : ﭽاكلين جرجس
معلوم أن مهنة الصحافة من أقدم المهن على مر التاريخ فهى تطرح و تعالج الكثير من القضايا الوطنية المحورية ؛لذلك ينبغي التأكيد بإستمرار على أهمية المصداقية و الشفافية و الموضوعية فى تناول الأحداث ، و يذكرنا التاريخ بصحفيين شرفاء خاضوا تاريخ من التضحيات ، فالصحافة أمانة و مسؤولية ليست فوضى لتصفية حسابات أو مؤامرات داخلية أو خارجية على البلاد فالوطن يحتاج إلى توحيد قواه ، يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد ليعود إلى سابق مجده و رفعته ليدخل فى مسار دول العالم المتقدم ، نحتاج أن نكون على قلب و عقل رجل واحد ..
يحكى لنا الصحفى الكبيرعلى أمين: فى الأسبوع الأخير من أغسطس ١٩٤٧، وضمن القضايا المعروضة على مجلس الأمن كانت قضية مصر، ووقف محمود فهمى النقراشى يعلن حق مصر فى المطالبة بالجلاء، ولم يتوقف رئيس الوفد المصرى عند هذا الحد، بل إنه قدم الوثائق التى حصل عليها مصطفى أمين لإدانة بريطانيا، لترتفع أسهم مصر، وترتفع معها كل الأصوات المؤيدة لحقها المشروع الضائع، وتلقت أخبار اليوم من مراسلها جورج ويليامز فى نيويورك أن الدعاية البريطانية قوية جدًا، وأنه سيكون لها تأثير مباشر، خصوصًا بعد أن كسبت مصر الجولة الأولى بعد عرض الوثائق السرية، التى حصلت عليها أخبار اليوم، والتى أدانت بريطانيا وأيدت حق مصر فى الجلاء.. وكان لابد من أن يصل صوت مصر إلى أمريكا وبسرعة، وفكرت أنا ومصطفى طويلًا وخرجنا بأخطر مشروع دعائى لقضية عالمية، وكان المشروع يعتمد بالدرجة الأولى على أن الرأى العام فى أمريكا لا يتكون بالمظاهرات ولكن بالخطابات، فخطابات الرأى العام فى كل موضوع تدل على اتجاهه ورغبته وتصميمه، إذن هى حرب الخطابات فى مجلس الأمن.
أعضاء مجلس الأمن عددهم ١١ عضوًا وهم آنذاك: سوريا، أمريكا، فرنسا، روسيا، البرازيل، أستراليا، بولندا، بلجيكا، كولومبيا، الصين، بريطانيا، مع مصر صوت واحد هو صوت سوريا، المحاولة الآن هى كسب أى صوت من الأصوات العشرة الأخرى إن لم يكونوا جميعا، حتى مع السير أكسندر كادوجان المندوب البريطانى.
وكانت «أخبار اليوم» تريد للشعب المصرى كله أن يشعر بهذا الدور العظيم المهم، لذلك أعدت عشر صور «كارت بوستال»، كل صورة باسم مندوب من المندوبين العشرة فى مجلس الأمن، وخرجت «أخبار اليوم» تعلن حملتها الضخمة لكسب الأصوات لصالح مصر، وتحت عنوان كبير قالت «أعلن صوتك فى مجلس الأمن»، كانت فكرة مصطفى تقوم على أن كل هذه الأصوات ستدور فى الأمم المتحدة، وهذه النداءت ستثير اهتمامات أمريكا وصحف العالم كله، ولم تكن الحملة للمصريين فحسب، بل كانت أيضًا إلى قراء «أخبار اليوم» فى فلسطين ولبنان وسوريا وشرق الأردن والعراق والسعودية واليمن وليبيا والكويت والهند والحبشة وأمريكا الجنوبية أيضًا.
وقد أحدثت هذه الفكرة الجديدة الجريئة ضجة فى صحف العالم، و كانت البطاقات تقول:
- إلى المندوب الأمريكى فى مجلس الأمن: لقد طردكم الإنجليز من أمريكا، فكان لكم عيد الاستقلال، فلماذا لا يكون لمصر عيدها.. حرروا مصر والسودان.
واشتركت «آخر ساعة» فى الحملة ونشرت صور البطاقات لتتيح الفرصة لمئات الألوف من المصريين ليعبروا عن آرائهم فى قضية مصر.. وحققت الفكرة نجاحًا ،وأصبحت حديث مجلس الأمن بأكمله، فقد كان بريد مجلس الأمن فى يوم واحد من البطاقات أكثر مما - تلقاه من بريد طوال عام كامل، وكتبت جريدة النيويورك تايمز تقول: «إن حملة الشعب المصرى لطرد الإنجليز من مصر والسودان وقنال السويس اتخذت فجأة شكلًا جديدًا.. إن عاصفة من بطاقات الكارت بوستال هبطت على مجلس الأمن، إنها بطاقات عنيفة تهاجم الاستعمار البريطانى، لقد سقطت كالمطر على أعضاء المجلس فى «ليك سكس»، وهى بطاقات مرسلة من جميع البلاد العربية»، وقالت مجلة النيوزويك: «إن حملة أخبار اليوم لإعلان صوت مصر حملة قوية جريئة لصحيفة ناجحة لمحررين ناجحين وقراء يثقون تمامًا فى صحيفته».
- و بعدها كتب مصطفى أمين فى ٧ سبتمبر يقول: «إن أخبار اليوم ليست لسان أحد، ولا تستوحى سياستها من أية جهة أو حزب، وإنما هى تعبر عن الروح الوطنى العام، وأن أخبارها وأنباءها واتجاهاتها لا تستمدها من أية جهة أو هيئة، بل هى من جهود محرريها ومراسليها” .وعلى الرغم من أن الصحافة تمر بمرحلة حرجة إلا أن إعلامنا قادر و يملك من الكفاءات و لديه من الرصيد و المخزون الذى يستطيع أن يؤثر به فى المرحلة القادمة .